مرشّح مقاتل اسمه خالد علي

مرشّح مقاتل اسمه خالد علي

11 نوفمبر 2017
+ الخط -
طوال أشهر من النقاشات والخلافات بشأن المرشح الرئاسي الأفضل لتمثيل المعارضة المصرية في 2018، كان التوجه الغالب، بما فيه توجهي الشخصي، أننا نحتاج مرشحاً أقلّ ثورية، مرشحاً لا يستفز النظام بنيوياً، بمعنى ألا يكون هناك دافع شخصي حارق لدى كل قاضٍ على كل صندوق للتزوير ضده، ولدى كل ضابط في كل لجنة لمنع ناخبيه.
كان التفكير أننا، من واقعنا تحت القاع، نحتاج فقط أن نصعد إلى الصفر. لكن ما فات كثيرين أن هذا النموذج لو كان غير موجود لا يمكن اختراعه. وهكذا بدأنا نرى مشاهد غريبة لأفراد ومجموعات يطوفون منازل المستشار فلان ومكاتبه، والوزير الأسبق علان، ليكادوا يتوسلوا لهم الترشح.
كان هذا غريباً جداً، لأنه لا أحد سيخاطر بأمنه الشخصي مجاملة. في 2005، حين ترشّح أيمن نور بوجه حسني مبارك، حقق فعلاً إنجازاً سياسياً كبيراً. ولعل هذا كان واحداً من الذّرات التي تراكمت لتصنع الثورة لاحقاً، لكن أيمن نور دفع الثمن بعد الانتخابات مباشرة بسجنه في قضية تزوير ملفقة نحو ثلاث سنوات، وتعرّض خلالها إلى الضرب، ومازلت أذكر جيداً مشهد الجروح بجسده. كل الاحتمالات المؤسفة واردة.
وهكذا، حين اقتربت ساعة الحقيقة، ظهر أنه لا أحد من كل السادة "المحفلطين الملمعين الجيمسينات" مستعد للقتال. وهنا يتميز خالد علي، بتاريخه من النضالات الشخصية والسياسية.
الرجل الذي عمل في بداية حياته حمالاً في مضارب الأرز، وعاملاً في مصنع بسكوت، ونادلاً في مقهى، وجرّب النوم في المخازن والجوع في الشوارع، وتزوج في "بشتيل" الشعبية، هو الأجدر بأن يفهم مزاج المصريين ومعاركهم ممن لا يعرفون أين توجد "بشتيل" أصلاً.
وهو الرجل الذي طالما ترافع في قضايا العمال، وأيضاً في قضايا سياسية، امتزج فيها العمل القضائي بالعمل على الأرض، منذ مظاهرات العراق 2003، ومروراً بمشاركته بتأسيس جبهة الدفاع عن متظاهري مصر في 2008 لدعم إضراب المحلة في 6 أبريل، ونهاية بمعركة جزيرتي تيران وصنافير التي مثلت أكبر هزّة لنظام عبد الفتاح السيسي منذ بدايته. هذه هي الصلابة التي نحتاجها اليوم بالضبط.
في المقابل، يحتاج خالد للكثير، كي لا تتحول مشاركته إلى عبث. كأولوية قصوى يحتاج صناعة "آلته الانتخابية" التي يجب أن تشمل 11 ألف مندوب، بحيث يوجد واحد في كل لجنة، بالإضافة إلى بضعة آلاف آخرين للمهام اللوجستية. من مكاسب الثورة النادرة أن القانون مازال ينص على الفرز داخل اللجان، لكن استغلال ذلك يحتاج جهداً خارق الصعوبة، وتمويلاً كبيراً، وخبرات علمية وعملية. من دون آلية رقابة تحسم نزاهة الانتخابات، أو أدلة تزويرها، يمكن أن يضيع كل شيء، كما أن هذه الآلية هي ما سيدعم فورياً مرشحاً بديلاً من حملته، لو منعت الدولة ترشحه بقضيته المنظورة حالياً.
يحتاج خالد أيضاً أن يحسم توجهات خطابه. بينما يرى بعضهم أن الغرض من هذه الانتخابات تنظيمي ودعائي. وبالتالي، عليه رفع السقف إلى نهايته. أجدني منحازاً للعكس تماماً: الانتخابات معركة عددية، يجب أن تستهدف أكبر عدد من الأصوات. وفي حالتنا نحتاج إثبات قوة الرافضين للسيسي، بمختلف توجهاتهم وأطيافهم. ونتذكّر هنا أن تجارب أخرى في أميركا الجنوبية وأفريقيا انتزعت التحول الديموقراطي بمعارك انتخابية في ظروف داخلية وخارجية مواتية.
يحتاج هذا خطاباً أكثر إصلاحية، يحاول اجتذاب أكبر عدد ممكن من المعارضين بتوجهات مختلفة، ومن الناخبين غير المُسيسين أو المتردّدين، وأيضاً لا يستعدي بشكل حاد الواقع الإقليمي والدولي.
وكان خبراً سعيداً أن يعلن السفير معصوم مرزوق، المرشح المحتمل الأبرز لدى التيار الناصري، تأييده خالد علي في اليوم التالي مباشرة، كما حظي الرجل بدعم من حمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح، وهكذا تتشكل تدريجياً جبهة توافق، بحكم الأمر الواقع.
لدينا مرشح مقاتل، اسمه خالد علي، ودعمه اليوم أصبح واجب الوقت. فرصة لعلها لا تكون الأخيرة للقول: نحن هنا.
في 2002 فاز المرشح اليساري البرازيلي، لولا دي سيلفا، والذي عمل سابقاً ماسح أحذية، وذلك بعد دخوله كل انتخابات منذ 1989 وخسارته فيها كلها. من يدري.