جسد السيسي وبعض لغاته

جسد السيسي وبعض لغاته

15 فبراير 2018
+ الخط -
تمنيت لو ينبري رجل، ويل أمه محش حرب، يضع روحه على كفّه، ويدرس حركة جسد عبد الفتاح السيسي. لم أجد مؤهلين لهذه الدراسة سوى فرسان مثل جو شو، وسامي كمال الدين، وعطوة كنانة، وأشرف فهمي.. وأمس فقط انتبه جو شو إلى أن السيسي لا يكلم شعبه إلا وهو مولٍ دبره، كأنه متحرّق لكفتة، أو متحيز إلى فكة، أو خائف على فقدان الكرسي. وتفسيري للجلجته أنه غير قادر على ترويض ثيران الكلام في رأسه. هناك ذئب متربض بأغنام أفكاره، وهو يغير عليها. السيسي يكرّر الكلام حتى يتذكر ما كان يريد قوله، ويجمع شتات القطيع. الرجل ليس عنده فلاتر، ما عنده هو غباء منه وفيه. الرجل اعترف أنه مش بتاع سياسة، والسياسة جاءت من سياسة الخيل، والرجل لا يعرف كيف يرعى الأغنام.
يضعون له بوق الصوت بجانبه، فيخطف البوق، ويقاطع حديث الآخرين، وهذا إخلال بآداب الحديث، لا يليق برئيس جمهورية، ولا ببياع ترمس، وينبل على المستمعين، جملتين أو ثلاثاً، ويضحك. أو يهدّد، ويخاطب الذين ظلموا إنهم مغرقون، فيصفقون له على هذيانه تصفيق الأم لطفلها الذي تعلم نطق السح الدح امبو، وهو في سن الخامسة.
وهو لا يخاطب شعبه، عفواً يا سادة، أعوذ بالله أن يكون للسيسي شعب، يمكن أن تكون له جرابات، وشبشب، عربة خضار، لكن شعب، هزلت والله، لقد جئنا شيئا إدّا.
وهو لا يخاطب الشعب المصري، وريث حضارة سبعة آلاف سنة، إلا بخطاب "يا مصريين"، ويرقق الصاد سيناً. ولا يخاطبه بخطاب أكرم، مثلاً: أيها الشعب المصري، وهذا الشعب قطعةٌ من أمّة، يحرص على حجزه عنها. وحارب كل جيران الشعب المصري: السوداني، الفلسطيني، السوري، اليمني.. وهو لا يتكلم إلا أشتاتاً، مثل محمد سعد، أو يونس شلبي، فهؤلاء طلائعه التي أرهصت بقدومه الميمون، وعلمته سحر الكلام.
سمّى المترجمون موضوع حديثنا "لغة الجسد"، فهي بضاعة غريبة، والجسد يطلق غالباً على الميت، فلنقل لغة البدن، واسمها في الإنكليزية "بدي"، وهي من البدن العربية، كما يقول الباحث علي فهمي خشيم. وفي الإعلام المصري شخصيتان معروفتان بالتحليل النفساني، هما أحمد عكاشة والسيدة منال عمر، التي كانت تمسك كتاباً في التحليل، وتقرأه كلمةً كلمة، إبّان تأهيل الشعب للقلب، والعسكر للانقلاب، ثم تتهم محمد مرسي بكل ما في الكتاب من أعراضٍ نفسية، ومضيفها يبتسم سعيداً بالعلم والمنطق والحجة، أما أحمد عكاشة، فهو عكاشة الثاني، العكاشية وباء، مثل فيروس وباء الكبد سي. ولجسد وباء الكبد المضاعف سي سي لغات فصيحة، أهمها لغة الضحكة، ولغة الدمعة، ولغة الجسد المهذّب، ولغة الوجه الغضب. دمعته يشكُّ فيها كثيرون، هي من نوع دموع الفاجرات حاضرات، دموعه هندية، التمثيل والادعاء فيها واضح، بينما ضحكته جهيرة، ويفتح فيها شدقيه، فتبدو أضراس الجنون، وكأنه مضطجعٌ عند طبيب أسنان، الأضراس الطواحن، التي طحن تحتها الدستور، وسيناء، وتيران وصنافير، وستين ألف معتقل، وثورة. أما تهذيبه، فيبدو جمّاً أمام رؤسائه، في الإمارات والسعودية، وأولياء نعمته وعرشه، في الغرب وإسرائيل. الرجل يذكّر بتلاميذ المدارس الخجولين. وأحياناً يشبه خدم المطاعم، ولا ينقصه سوى الصينية. وأحياناً يذكّر ببيت ابن الرومي الساخر في وصف الأحدب: قصرت أخادعُه وغار قذاله/ فكأنه متربِّص أن يُصفعا.
ويظهر هذا التهذيب في وقوفه الصنمي، عند أداء النشيد الوطني، أو المشي الآلي على السجاد الأحمر، كأنه يقول لزوجته: شفتيني وأنا بمشي على السجاد الأحمر. الضابط هو المنضبط بالحركة. يؤدي التحية العسكرية، وكأنه روبوت. له حال الصوفي الخرقة أمام شيوخه. لسان جسده: أرجوكم، اقبلوني في وظيفة رئيس مصر. وله حركة يد شائعة، كأنه يقي بها نفسه من السقوط. وأحياناً يشبك ذراعيه في هيئة الحكيم. ويجمع الجمع أن الرجل مثّل على محمد مرسي دور العابد الناسك، المحارب في النهار، الراهب في الليل. سيولون الدبر هو وأولياء نعمته.
الخلاصة: حركة بدن السيسي أفصح من لسان فمه.

دلالات

683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."