المشهد في تونس

بلد صغير في شمال أفريقيا، حباها الله بميزات تاريخية وحضارية وجغرافية عديدة. هي فتاة جميلة وفتية، ولدت بعد سنوات جمر سنة 2011 بثورة شهد لها العالم كله، وكانت انطلاقة لربيع عربي، أسقط ديكتاتوريات عديدة، وأزاح طغاة عديدة.
ما زالت ديمقراطيتها وليدة، فريدة في المشهد العربي وعلى الساحة الدولية. لكن هناك من لم يرق له هذا التحول الديمقراطي في تونس، والذي أقر به العالم وأجمع عليه الجميع، ولم يرق له تواصل الاستحقاقات الديمقراطية وسلاسة المرور نحو دولة المواطنة والحريات، فاستأجرت بيادق ومارقين لتعكير صفو البناء في تونس، لأنهم متخوفون من انتقال الربيع إلى بلدانهم القابعة تحت القمع والظلم، ومن مطالبة شعوبهم بحقوقها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم.
لأجل تحقيق أهدافهم الدنيئة، جرّبوا استدعاء الإرهاب وكل ما يحضر ببال، وعلى الرغم من كل ما فعلوا، وعلى الرغم من عدد الشهداء الذين نزفتهم تونس، صمدت البلد بوحدة شعبها وواصلت التحول والتغيير والبناء، ضمن توافق سياسي، ثم استدعوا الاغتيالات السياسية، وكان ضحيتها قياديين بارزين، هما شكري بلعيد عن الجبهة الشعبية، والحاج محمد الإبراهيمي عن حركة الشعب في عملية مخابراتية بحتة لا غبار عليها، على الرغم من أنّ الإتهامات وجهت لحركة النهضة، لكن المتمعن في العمليتين، يلاحظ الإحترافية في العملية ودقة التوقيت.
على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من الاعتصامات المتواترة، ولعلّ أبرزها اعتصام الرحيل أو ما سمي اعتصام باردو، تيمنا بساحة باردو التي احتضنت الاعتصام بقلب العاصمة، هذا الأخير المدعوم إماراتيا وفقا لمصادر مطلعة.
إلى جانب الإحتجاجات المطلبية التي رافقت تلك الفترة، ما تسبّب في غلق مصانع ومنشآت عديدة، بقي التوافق سيد الموقف في المشهد السياسي، وكان الحوار الوطني هو الآلية الوحيدة التي وضعت حدا لكل التجاذبات الهدامة والاستقطابات المدمرة، ليفرز ذلك كله وثيقة قرطاج، على الرغم من اعتراض وتحفظ بعضهم عليها، إضافة، طبعا، إلى تكاتف المنظمات الحكومية وغير الحكومية والمجتمع المدني عبر التوعية، ونشر ثقافة التسامح والتكافل والتعايش، بديلا عن الثقافة الإقصائية والتهميش والتخريب والارتهان للخارج.
هذه تونس التي نصبو إليها، فهي تسع الجميع وتستوعب الجميع، فتونس التي نريد هي تونس الثورة والحرية والتداول السلمي للسلطة.