"المركزي الفلسطيني" بين العدمية والواقعية الثورية

"المركزي الفلسطيني" بين العدمية والواقعية الثورية

06 نوفمبر 2018
+ الخط -
على الرغم من النبرة القتالية العالية، وحالة الغضب والاحتدام، التي سادت الخطاب السياسي الفلسطيني في الآونة الأخيرة، لم تنكسر قواعد اللعبة الصارمة، ولم يحدث اختراقٌ ما، حيث كانت أغلب التقديرات الموضوعية، المتداولة في أروقة متخذي القرار في أعلى هيئةٍ تنفيذيةٍ فلسطينية، تُرجّح فرضية أن مخرجات المجلس المركزي سوف تأتي متماثلةً، ومؤكِّدة على القرارات التي كان قد اتخذها المجلس ذاته في دورة انعقاده التالية على انعقاد المجلس الوطني أخيرا، وأنه سيتم أيضاً إحالة التطبيق إلى الرئاسة واللجنة التنفيذية، المخوّلتين أساساً بإدارة الصراع بكفاءة، والتعاطي مع المتغيرات بحكمةٍ، وإنفاذ قرارات السلطة التشريعية بمسؤولية.
ولعل الجديد في أمر هذه المقرّرات أن المجلس المركزي قد وسّع، هذه المرة، دائرة صنع القرار الرسمي، وربما مأسَسته على نحوٍ أفضل، بتشكيل لجنةٍ من عشرين عضواً، بمن فيهم أعضاء اللجنة التنفيذية، وفي ذلك إشراك لطيْفٍ سياسيٍّ أعرض من ذي قبل، وتوزيع للمسؤولية الملقاة دائماً على كاهل قيادة منظمة التحرير والسلطة الوطنية، وهي هنا حركة فتح. ويبدو أن اللجنة الموسعة هذه جاءت ردّاً على مقاطعة كل من الجبهتين؛ الشعبية والديمقراطية، أعمال المجلس الذي انعقد بنصاب عددي لا يمكن الطعن بصحته، وحافظ بمقرّراته تلك على السقف الذي كان قد وضعه لنفسه.
وأحسب أن المسألة الحاكمة لمقرّرات المجلس المركزي، في هذه الدورة وفي سابقاتها، كانت ماثلةً في حقيقة أن المقامرة ممنوعة، وأن المجازفة في وضع فلسطيني هشّ غير مقبولة. وفوق ذلك، أنه ينبغي تغليب الواقعية الثورية على العدمية السياسية على طول الخط، خصوصاً إذا كانت الموازين مختلّة إلى هذا الحد، وكانت الظروف غير مواتيةٍ على الإطلاق، ناهيك عن أن مجال المناورة الذي كان محدوداً قد أصبح أكثر محدوديةً، وأن قوة الدفع الذاتي الضئيلة قد غدت أكثر ضآلةً من أي يومٍ مضى، وحدّث بلا حرجٍ عن رعونة القفز في الهواء بعينين مغلقتين.
على مثل هذه الخلفية، يمكن فهم مقرّرات المجلس المركزي أخيرا، المدرجة على قيد التنفيذ المؤجل إلى حينٍ قد يطول، على أنها أتت ترجمةً أمينةً لمعطيات واقعٍ فلسطيني، لا سيطرة فيه على الموارد والمعابر، ناهيك عن السيادة، وأن التنفيذ يحتاج إلى قوة إسنادٍ لا وجود لها في الواقعين؛ الذاتي والموضوعي. وقبل ذلك، ليس هناك بديل وطني أفضل مما هو باليد، الأمر الذي يتطلب عدم تعريض المكتسبات القائمة إلى مخاطر التبديد، مع الحرص على التمكين وتجويد الأداء، وهو ما ينبغي معه الامتناع عن الانسياق وراء العواطف والانفعالات، وتجنّب الارتجال تحت كل الظروف.
توزّعت قرارات المجلس المركزي على ثلاثة عناوين رئيسة، أولها تعليق الاعتراف بإسرائيل، وجعله مشروطاً باعتراف الأخيرة بدولةٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ عاصمتها القدس الشرقية، وثانيها وقف التنسيق الأمني، أما ثالثها فهو الفكاك من اتفاق باريس الاقتصادي. وفيما يبدو أن تعليق الاعتراف قد تحقّق بصدور هذا الإعلان، كونه لا يحتاج مفاوضات، ولا يقتضي سحب سفراء أو إغلاق قنصليات، لا وجود لها أصلاً، فإن وقف التنسيق الأمني في كل المجالات، ودفعة واحدة، غير مقدور عليه، وليس قابلاً للتحقيق، إلا إذا تم تسليم المفاتيح للاحتلال. أما الفكاك من اتفاق باريس، أو حتى تعديله، فإنه يتطلب مفاوضاتٍ قد تستغرق عدة أشهر، وربما عدة سنوات.
بكلام آخر، وبعيداً عن المقاربة المسبقة، بل وقريباً من القراءة غير المتحيّزة، فإن جوهر ما قرّره المجلس المركزي يعتبر بمثابة برنامج كفاحٍ وطنيٍّ طويل المدى، يحتاج تفعيلُه إلى إرادة ذاتية صلبة، يتوجب استنهاضها من دون تأخير، ويتطلب كذلك إسناداً خارجياً غير متاح الآن، إلا أنه يظل خطة عمل تنفيذية طموحة، يمكن السير بها بعقلانية وتدرّج وانتقائية، وعلى مراحل زمنية توائم واقع الحال، برؤيةٍ لا تترفع عن الواقع، ولا تستسلم له في المقابل، وهو ما يتطلب تصعيد المقاومة الشعبية اللاعنفية، وتشديد الاشتباك السياسي والدبلوماسي والحقوقي بوتائر أشد، وقبل ذلك وبعده، العمل على استعادة الوحدة الوطنية بكل ثمن، مهما بدت بعيدة المنال.
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي