إلى انتخاباتٍ نصفية في أميركا

إلى انتخاباتٍ نصفية في أميركا

04 نوفمبر 2018
+ الخط -
يفرض نظام الديمقراطية الفريد في الولايات المتحدة إعادة انتخاب مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ في منتصف فترة الرئيس، وهو استحقاقٌ سيأتي بعد أيام، وتتوقّف على نتائجه، بشكل كبير، صورة الرئيس دونالد ترامب التي يحظى بها، بمساعدة أغلبيةٍ مريحةٍ في مجلسي التشريع الأميركي (الشيوخ والنواب). أما في حالة الفشل وصعود الديمقراطيين في أحد المجلسين أو كليهما، فتسود حالة ركود سياسي، تتحول فيها الساحة السياسية الأميركية إلى حلبة مناكفة وكيد سياسي، وتبدو فيها الدولة العميقة مجرّد جدول مياه سطحي شحيح، يكابد لتمر السنتان قبل أن تجري انتخاباتٌ جديدة. استطلاعات الرأي، وهي الإشارة المسبقة التي تعتبر مؤشّراً للنتائج، تُظهر بدورها أرقاماً تعطي لانتخابات مجلس النواب ست فرص من أصل سبعٍ للديمقراطيين، فيما تعطي المؤشرات نفسها ست فرص من أصل سبعٍ لصالح الجمهوريين في مجلس الشيوخ، وهي حالة جماهيرية أخرى، تُضاف إلى غرابة قانون الديمقراطية الأميركي وتفرّده، وتؤكّد غرابة الناخب الأميركي أيضاً.
ينصب اهتمام الجمهور الأميركي، في الداخل، على الرعاية الصحية، والاقتصاد، ثم الهجرة. وعلى هذا الترتيب، سيصوت الناخبون، ولكل حزبٍ توجهٌ مختلف حيال كل قضية. يتابع العالم نزعات ترامب للخروج من اتفاقيات دولية كثيرة، وقد ينسحب موقفه المعادي لكل تجمع دولي إلى الأمم المتحدة نفسها التي تحتضنها نيويورك، وتنفق عليها الولايات المتحدة، والإنفاق بندٌ يسبّب حساسيةً كبيرة للرئيس، فهو مولعٌ بالحدّ من التبذير. وهناك مواقف ترامب المستبد في تطبيعه مع كوريا الشمالية، وإعلانه صفقة القرن المنتظر أن تسوّي القضية الفلسطينية، والتي لا يُعرف منها سوى عنوانها، وهناك نقل السفارة الأميركية إلى القدس. وتنتظر الساحة الدولية بعض الانعطافات الدرامية التي ستتشكل حسب نتيجة تلك الانتخابات.
سيعني فوز حزب ترامب بالأغلبية أن شخصية ترامب طغت على الشارع، ودفعت حزبه إلى مركز مرتفع وقوي، وهو ما سيؤهله ليطفو بشخصيته مرة أخرى على العالم، وبشكل مؤثر أكثر. والمؤكّد أنه سيحصل على تمويلٍ لبناء جداره الدولي مع المكسيك، وسيجعل برنامج "أوباما كير" للتأمين الصحي مجرّد فتات، وقد يجعله يستبد بالتعامل مع شركائه في الجانب الآخر من الأطلسي، وصولاً إلى مرحلة أن يفرض عليهم رغباتِه بقوة ما يحمله من تفويض الشارع الأميركي الذي يربض على ربع اقتصاديات العالم. وستنال إيران حصّتها من هذا، فاللهجة القوية ضدها ستزداد، وقد تتطوّر إلى ما هو أخطر، وقد يكون بعض السعوديين الذين يتبوأون المراكز العليا يتطلعون بلهفةٍ إلى فوز من هذا النوع، فهذا سيجعل اللهجة تجاههم أقل خشونةً، وقد تضيع دماء جمال خاشجقي وجثته المقطعة.
وفي حالة الخسارة، سيكون ترامب بحاجةٍ إلى فريق قوي من المحامين، حيث سترتفع في وجهه قضايا سياسية وحقوقية كثيرة، وقد يقضي ما تبقى له في البيت الأبيض في المحاكم السياسية أو العدلية، ما سيتيح لبقية الدول تحقيق مكاسب شخصية، وخصوصا روسيا، ومن بعدها دول الاتحاد الأوروبي. مشهد درامي سيخيم على العالم كله، والحدث هو مجرّد انتخابات جزئية في قسم من العالم، لم يكن يعرفه أحد قبل خمسمائة عام فقط.
استطلاعات الرأي التي اخترقها ترامب نفسه في الانتخابات الرئاسية، يمكن أن يكرّرها مرة أخرى، فهي حتى الآن ترجّح القسمة على اثنين، فيكون مجلس النواب للديمقراطيين ومجلس الشيوخ للجمهوريين، ما يعني أن التعايش ما زال مطلوباً، وعلى ترامب أن يخفّف قليلاً من لهجته، ليمرّر ما يستطيع تمريره، ويترك بعض الغنائم لخصومه الذين يسدّون عليه طرقات مجلس النواب، وهي قسمةٌ يمكن أن تريح العالم، لكنها تُرَحِّل حلحلة مشكلاته، أو تصفيتها، إلى مناسبةٍ أخرى، يمكن أن يكون ترامب نفسه بطلاً فيها، إذا ما أعيد انتخابه. أما إذا اختار الأميركيون حزب ترامب، فسيفسحون له المجال، ليظهر بوجه أكثر تطرّفاً.