تحية للكويت

تحية للكويت

19 نوفمبر 2018
+ الخط -
من يصدّق، بعدُ، اللاهجين باسم فلسطين المتمسّحين بقميصها الممزق، الدامي؟ لا أحد. حتى هؤلاء لا يصدقون أنفسهم.
نحن لا نصدّقهم. بل صرنا نخشى هذا الاسم عندما يصدر منهم، فوراء اسم فلسطين، في بيانات هؤلاء وخطاباتهم يتمخض مشروع خيانة، وتُمهد الطريق لـ "صفقة قرنٍ" لا تبقي ولا تذر. بالأخص عندما يتدرّب على تلفظه الذين لا يعرفون كيف يكتبونه اسما بعربية سليمة: غلمان التاريخ والجغرافيا.
اخشَ هذا الاسم عندما يلفظونه. فلا بد أن كارثة تكمن وراء التلفظ العربي الرسمي بهذا الاسم الجريح. فكِّر مئة مرة، قبل أن تصدّق ما يقال، بعد التلفظ بهذا الاسم الذي لم يبق عابر سلطة وجاه، ومرتدي بسطار أو نعال، لم يتلفظ به.
لا تصدّق ما يعنيه هذا الاسم، عندما يلفظه ما يسمى محور الممانعة والمقاومة، ولا ممن هم أبعد في الجغرافيا والهموم.
لقد رأينا كيف كانت طريق تحرير فلسطين تمر، مرة، باحتلال الكويت، وأخرى بالقُصير وريف دمشق.
لم أعد أصدّق اسم فلسطين حتى عندما يأتي من فلسطينيين. فماذا نسمي "التنسيق الأمني"؟ وما يشبهه من إجراءاتٍ تجعل السلطة الفلسطينية تبدو مُخبراً أو "بنشرجياً" عند الاحتلال. عودوا إلى صورة مدير شرطة الخليل – الفضيحة. لا يذكر اسم فلسطين، الآن، إلا للتقرّب من إسرائيل، وتحسين شروط القبول الأميركي.. أستثني، من ذلك ما تقوم به الكويت من مبادراتٍ حيال "القضية المركزية" بين حين وآخر. يكفي أن نرى اختلافها في التعامل مع الاسم العربي الجريح في معرض الكتاب المقام الآن في العاصمة الكويتية. هناك كلامٌ لم يعد ممكنا قوله في الزمن الترامبي.. من ذلك اسم: القدس. بل اسم فلسطين نفسه ما لم يكن مرتبطا بالتصور الأميركي لـ "الحل"، المعروف اليوم بعنوانه المريب: صفقة القرن. لا أشعر بأن شيئاً وراء الأكمة عندما يأتي اسم فلسطين من جهة الكويت، فهذا بلد له علاقة تاريخية بفلسطين والفلسطينيين، لم تؤثر فيها سوى مغامرة صدّام حسين المجنونة التي جنت علينا، وأدّت بنا، كعالم عربي، إلى ما نحن عليه من انهيار وتفكك واستباحة أميركية مطلقة، لم تنته فصولا.. خصوصا عندما وصلنا إلى حكم "الأحفاد" الطالعين إلى السلطة بميراثٍ مخجل من الانبطاح أمام الغرب، وصولا إلى تقطيع الأوصال.
أتحدّى أن تقول دولة عربية واحدة، من مصر الكنانة إلى بلاد الحرمين، ما قاله مسؤولون كويتيون في مناسبة افتتاح معرض الكتاب: بل أتحدّى أن يجعلوا لمناسبةٍ كهذه عنوانا من نوع: القدس عاصمة أبدية لفلسطين!
أليس في هذا صفعة مباشرة لترامب الذي جعل القدس، أمام أعين العرب والمسلمين (وهؤلاء بلا وزن في الفعل الدولي)، عاصمة لإسرائيل؟
دولة صغيرة كالكويت لا تزال تحت العين الأميركية تتجرأ على قول (وفعل) ما لا تتجرأ عليه دول عربية وإسلامية كبرى.
ما قامت به الكويت في معرضها للكتاب، وهو جهةٌ رسميةٌ وشعبية في آن، يستحق التحية، أضعف الإيمان، ولعل شقيقاتها الخليجيات (وغير الخليجيات) تستحي من تصغير نفسها وتتوقف عن مد جسور التطبيع سرا وعلانية.. من دون أن يُطلب منها هذا "التبرّع" غير المشكور.
E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن