نحن وعصر السرعة

نحن في عصر السرعة، عصر الفضاءات والفضائيات المفتوحة، ونحن في عصر هدم القيم الاجتماعية، تمهيدا لمرحلة غير واضحة المعالم لمجتمعات الشرق.
قد تكون الفضائح جزءا مهما من ثقافة النظام العالمي الجديد، فالرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، طلق زوجته بعد دخول قصر الإليزيه، وجاء بعده الرئيس هولاند، أول رئيس فرنسي بلا زوجة. والرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، أول من كتبت عنه الصحافه وعن علاقته الجنسية في البيت الابيض.
أول عمليه حرق بشري بثت على الفضائيات، نفذها داعش، وأول عملية اغتيال صحفي مباشرة عبر الفضائيات كانت عملية قتل، طارق أيوب، من قوات نشر الديمقراطية (المارينز) يوم اجتياح بغداد.
لم تعد إسرائيل الدولة الوحيدة التي تهدم وتدمر وتقصف بيروت وغزة بأحدث التقنيات العالمية، فاليوم تُقصف مدن كثيرة بلا سبب، ويتحارب أهل ليبيا من دون مبرر بعد أن هُدمت الدولة الليبية بطائرات من الخليج العربي بلا وجهة حق.
الحرب في سورية أيضا مثال جريء على وقاحة النظام العالمي الجديد وصمته، فنجد أن دول الخليج الملكية ترسل المال والسلاح والمقاتلين لنشر الديمقراطية، وتشترط إسقاط نظام الأسد ومشاركة المعارضة في الحكم، فيما يعدم من يشك فيه أنه يخالف الرأي مع الحاكم، وقد يختفي من الوجود إذا غرّد أو كتب أو قال رأيه.
شركات السلاح وشركات النفط وشركات الأمن العابرة للقارات تحرض السياسيين، بل السياسيون اليوم هم أصحاب هذه الشركات التي ستستفيد مما هو مخطط للشرق، والمستفيد الأكبر هم أصحاب الصالونات السياسية وشركات المواصلات العابرة للحدود التي تفوق استثماراتها وأرباحها المستقبلية المتوقعه كل الحسابات والتوقعات.
ثمّة مقدمات لتغيرات تمس جوهر كل شيء في الشرق العربي من المعتقدات الدينية والاجتماعية والسياسية، وحتى البيئية والثقافية نحو تغيير جوهري في سلوكيات إنسانية بشرية، امتدت آلاف السنين وثوابت ومحرمات سياسية، وفي مقدمتها اعتبار إسرائيل أولا إحدى المكونات الأساسيه للشرق، وإزالة كل العوائق المعطلة بكل الوسائل، بما فيها الإزاحة والهدم والاقتلاع والتصنيف العرقي للمجتمعات والأشخاص الرافضين مبدأ القبول.
تشبه هذه الحقبه إلى حد كبير تلك التغيرات في أوروبا التي قادت إلى ما يعرف الآن بالديمقراطية، والتي يقال إنها بدأت بالثورة الصناعية والحركات العمالية التي أدت إلى إنهاء حقبة الإقطاع والملكيات كواجهات، ونخرت وهتكت الأسرة، وقضت على منظومة شبكات الحماية الاجتماعية لصالح الدوله ظاهريا نحو تمكين العائلات العالمية، وقد تخلل ورافق حقبة تجهيز المجتمعات للحربين العالميتين، الأولى والثانية، وقبول الشيوعية المنافية للدين وحلولها محل روسيا القيصرية وكنيستها القوية وتدمير الإمبراطورية العثمانية التي كانت الامتداد الطبيعي لأكثر من ألف عام للإمبراطورية الإسلامية، فهل نحن ذاهبون إلى الفضاءات المفتوحة في الشرق العربي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا؟
هل سيكون بالإمكان السفر عبر قطار العرب من محطة حيفا إلى صنعاء عبر العقبة وجدة؟ وهل سنشهد ربط المشروع الأكبر عالميا لإنتاج الطاقه الشمسية الألماني، وهو الأضخم عالميا بإنتاج الطاقة الشمسية في جنوب الجزائر، والمتوقف منذ خمس سنوات، نتيجة بطء التقدم في فلسطين والخليج، بأخوية مشروع وادي عربة في الأردن ومشروع الربع الخالي في الجزيرة العربية؟ وهل سنشهد الحج الأكبر وسيسمح لليهود بالحج إلى مكة والمدينة؟