جوائز نوبل ونظرية الاعتذار

جوائز نوبل ونظرية الاعتذار

07 أكتوبر 2018

(Getty)

+ الخط -
من النظريات الجذّابة التي تلقى أنصاراً، وتصلح لكل زمان وكل مكان، هي وجود مجلس أو حكومة أو هيئة خفية أو معلومة، تقوم بتحريك كل شيء، ليبدو العالم كله كأنه مسرح دمى كبير، يخضع بشكل صارم لأوامر محدّدة، تنفذ بدقّة، وبحذافيرها الصغيرة، لصالح دعم أمرٍ ما، أو إفشاله.
من السهل أن تفسّر بهذه النظرية الهزائمَ والانكسارات والإخفاقات، وكذلك الانتصارات والنجاحات والإنجازات، ويمكن أن تصلح هذه النظرية، بمنتهى الفعالية للحكم على جوائز نوبل، وهذه الجوائز يتم الإعلان عن الفائزين بها في هذا الوقت من كل عام، فيستطيع أيٌّ منا القول إن الفائزين بها هم من أكثريةٍ يهوديةٍ، أو غربيةٍ، أو مسيحيةٍ، أو أميركيةٍ، وكل لوبي يختار ما يناسبه من تفاسير خاصة، لمنح الجائزة أو حجبها عن مرشّح ما، لتطفو على السطح عبارة "جائزة موجهة" التي تحمل رفضاً مبطّناً لاسم الفائز، وقد يكون التلبيس السياسي من أكثر ما يقترن بجوائز نوبل، وخصوصا المتعلقة بالقسم الأدبي أو المخصص للسلام، فلهذه الجوائز معايير مطاطة، وقابلة للقولبة لتناسب الشكل المطلوب.
تلقى النساء معاملة خاصة من هذه الجائزة، فعدد قليل جداً من النساء فزن بفرعٍ من فروع الجائزة، حتى لتوشك على الاعتقاد بأن هناك مؤامرة جندرية، تحيكها إدارة الجائزة ضد النساء، وحتى اليوم لم تجتز نسبة النساء الحاصلات على أحد "ملايين" السيد نوبل الستة بالمائة!
لا يبدو أن جائزة نوبل تعترف بالحضور المؤثر للنساء في مختلف المجالات، خصوصا أن نسبة الستة بالمائة لا تتوزع بالتساوي على فروع الجائزة الستة، ففي حين نالت النساء ما نسبته 12,5% في جائزة الآداب، نلن ما هو أقل من 1% في الفيزياء، وفي العام الماضي نال ثلاثة رجال جائزة الطب وثلاثة آخرون جائزة الفيزياء وثلاثة مثلهم جائزة الكيمياء وآخران: واحد للآداب وواحد للاقتصاد، فيما ذهبت جائزة السلام إلى منظمة إيكان، وهي منظمة لنزع الأسلحة النووية، في خلو تام من اسم سيدة واحدة.
لا يقتصر الموضوع على المشارِكات فقط من النساء، ففي هذا العام حدث ما يشبه الدراما، حين أُعلن عن تأجيل جائزة الآداب، بعد أن اتهم زوج امرأةٍ لها صفة عضو في لجنة منح الجائزة السويدية بالتحرّش الجنسي، واتسع الاتهام ليوحي بأن التحرّش أسلوب حياة الزوج الذي وجد نفسه يواجه ثماني عشرة حالة، وقد اعتبر هذا الزوج البالغ من العمر 72 عاماً مذنباً، وحكم عليه بالسجن عامين. يحتوي هذا الاتهام أكبر إساءةٍ يمكن أن تتعرّض لها النساء، بما يتجاوز مجرّد عدم الفوز بالجائزة، وأتبع الإعلان عن هذا الحدث بخبر استقالة الزوجة، كاتارينا فروستنسون، وتبعته عدة استقالات، من بينها استقالة سارة دانيوس، الأمينة الدائمة في جائزة نوبل للآداب التي ألغيت لهذا العام. وفي المقابل، أعلن في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي عن أسماء الفائزين بجائزة نوبل في الفروع الأخرى، فقد فاز بها في الفيزياء ثلاثة علماء بينهم سيدة، وفي الكيمياء ثلاثة علماء بينهم سيدة، وفاز شخصان في جائزة للسلام أحدهما سيدة.
لا يمكن وسط ضجيج الإعلانات عن الفائزين إلا أن تلاحظ أسماء السيدات اللاتي تعج بهن القوائم، الأمر الذي كان شبه مفقود منذ بداية القرن العشرين، حين بدأ الإعلان عن جوائز نوبل. قد لا تجد نظرية المؤامرة مكاناً لها اليوم، ولكن يمكن أن نجد نظرية أخرى، وهي نظرية الاعتذار. لم يجد مجتمع الرجال المهيمن على الجائزة طريقةً ليكفر بها عن ذنبه، إلا إلغاء نتيجة الآداب، وفرض أكبر عدد من النساء على قوائم الفائزين. لا يدعو الأمر إلى التفاؤل، فنظرية المؤامرة تبقى أفضل من أن تكون جوائز النساء قد منحت لمجرّد رد الاعتبار، وهذه إهانةٌ أخرى مبطّنة بديباج الاعتذار والتكريم.