خمسة أعوام على "الطريق والحزام".. الصين ترتبط بالعالم

خمسة أعوام على "الطريق والحزام".. الصين ترتبط بالعالم

05 أكتوبر 2018

الرئيس الصيني إلى خطاب عن "الطريق والحزام" (14/5/2017/فرانس برس)

+ الخط -
اكتملت، في سبتمبر/ أيلول الجاري، خمس سنوات على إطلاق الصين مبادرتها المسمّاة "الطريق والحزام" التي هدفت إلى إحياء طريق الحرير التاريخية التي ربطت الصين القديمة بالعالم، بغرض الاستفادة من إرثها في تعزيز علاقات الصين المعاصرة بدول العالم، ومن ثم زيادة حضورها وتأثيرها الدوليين. هذا فضلاً عن تمكين مقاطعاتها الداخلية من الانخراط في الاقتصاد العالمي، وربط المقاطعات الحدودية بالإدارة المركزية للدولة، وتحسين ظروفها الاقتصادية وزيادة استفادتها من ثمار التنمية في الصين.
بُنيت فكرة المبادرة على إقامة شبكاتٍ من الطرق والسكك الحديدية وأنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية والإنترنت، وغيرها من البنى التحتية، على امتداد خطوط كل من "طريق الحرير البرية" و"الحزام البحري"، بحيث يربطان الصين بنحو 65 دولة في آسيا وأوروبا وأفريقيا. ويتكون طريق الحرير البري من ثلاثة خطوط رئيسية، يربط الأول شرق الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى وروسيا. فيما يمتد الثاني من الصين إلى وسط آسيا وغربها ومنطقة الخليج العربي، وصولاً إلى البحر المتوسط. أما الثالث فيمر من الصين إلى جنوب شرقي آسيا، ثم جنوبي آسيا، فالمحيط الهندي. كذلك يشمل طريق الحرير البري عدداً من الممرّات البرية: ممر الصين وشبه القارة الهندية، وممر الصين وباكستان، وممر يربط إِقليم يونان، جنوب غربي الصين، وميانمار وبنغلاديش مع شمال شرقي الهند.
أما طريق الحرير البحري فيتكون من خطين رئيسيين، يبدأ الأول من الساحل الصيني مروراً بمضِيق مالقة إلى الهند، ثم الشرق الأَوسط وشرق أفريقيا، وصولاً إلى سواحل أوروبا، فيما يربط الثاني الموانئ الساحلية الصينية بحنوب المحيط الهادئ.

مضامين المبادرة ومسارها
في الخطاب الصيني الرسمي، جرى تحديد مضامين المبادرة في خمس نقاط، هي: تناسق
السياسات بين الدول المشاركة، حول الاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالتنمية الاقتصادية. ترابط الطرق وتحسين البنية الأساسية عابرة الحدود، وإقامة شبكة للنقل والمواصلات. تواصل الأعمال والتباحث في سبل تسهيل التجارة والاستثمار، وإزالة الحواجز التجارية والاستثمارية ورفع سرعة الدورة الاقتصادية الإقليمية وجودتها. تداول العملات عبر المقاصة بالعملات المحلية، وتبادل العملات، وتعزيز التعاون النقدي، وإنشاء مؤسسات مالية للتنمية الإقليمية، وخفض تكاليف المعاملات. تفاهم العقليات: أي توطيد العلاقات الشعبية بما ينعكس إيجابياً على تعزيز العلاقات الرسمية والتفاهم بين الدول المشاركة.
وقد تسللت الوقائع المتعلقة بالمبادرة وتطورها، عبر خمس سنوات من عمرها، على النحو التالي، بحسب المصادر الإعلامية الصينية الحكومية:
- سبتمبر/ أيلول 2013: طرح الرئيس الصيني، شي جين بينغ، خلال زيارتيه إلى كازاخستان وإندونيسيا، فكرته بشأن إقامة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين. جرى العمل بعدها على تصميم الهياكل الرئيسية للمبادرة، كما تضمنت قرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن إشارة إلى هذه المبادرة.
- يوليو/ تموز 2018: بلغ عدد الدول والمنظمات الدولية التي وقعت وثائق تعاون مع الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، أكثر من مائة، ما جعل المبادرة تشمل مناطق واسعة تشمل آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقتي الكاريبي وجنوب الباسيفيك.
- 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014: الصين تعلن تخصيص 40 مليار دولار أميركي لإقامة صندوق طريق الحرير، لدعم مشروعات الحزام والطريق.
- 28 مارس/ آذار 2015: الصين تطلق رؤية وأعمال البناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين.
- 25 ديسمبر/ كانون الأول 2015: إنشاء مؤسسة مالية جديدة متعدّدة الأطراف، اقترحتها الصين، لتعزيز إنفاذ هذه المبادرة، هي البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
- 14- 15 مايو/ أيار 2017: انعقاد منتدى الحزام والطريق الأول للتعاون الدولي في العاصمة الصينية بكين، بحضور نحو 1600 مشارك من 140 دولة و80 منظمة دولية، بينهم رؤساء دول وحكومات من 29 دولة.
- 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2017: إدراج مبادرة الحزام والطريق في دستور الحزب الشيوعي الصيني.
- يوليو/ تموز 2018: بلغت نسبة البنود التي تم إنجازها من قائمة برامج منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، نحو 95%، وذلك من إجمالي 279 بنداً.
- مايو/ أيار 2018: وقعت الصين على 16 اتفاقية تجارة حرة مع 24 دولة ومنطقة، يقع نصفها على امتداد الحزام والطريق.
- النصف الأول من العام 2018: الصين تنفق نحو 270 مليون يوان (39.3 مليون دولار أميركي) على منح طريق الحرير الدراسية.
- النصف الأول من العام 2018: الشركات الصينية ترفع استثماراتها في 54 دولة على طول الحزام والطريق بقيمة 8.55 مليارات دولار أميركي، مثلت 11.8% زيادة عن الفترة المماثلة من العام السابق. وقدّرت قيمة عقود البناء على طول الحزام والطريق بـ57.11 مليار دولار أميركي.
- 26 أغسطس/ آب 2018: بلغ عدد قطارات الشحن بين الصين وأوروبا نحو عشرة آلاف قطار.
- أواخر العام 2018: تجارة البضائع بين الصين والدول الواقعة على طول الحزام والطريق 
تتخطّى ما قيمته 5.5 تريليونات دولار أميركي، فيما بلغ حجم الاستثمار الصيني المباشر في القطاعات غير المالية في هذه الدول 80 مليار دولار أميركي.
- أواخر العام 2018: أسّست الصين 82 منطقة تعاون اقتصادي وتجاري في الدول الواقعة على طول الحزام والطريق، استثمرت فيها 28.9 مليار دولار أميركي، أوجدت نحو 244 ألف وظيفة محلية.
- أواخر العام 2018: بلغ عدد المؤسسات والمشروعات التعليمية التي أقامتها الصين ضمن المبادرة، 81 مؤسسة ومشروعاً، إضافة إلى 35 مركزاً ثقافياً في الدول الواقعة على امتداد الحزام والطريق.
قال الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في يوليو/ تموز الماضي، وهو الذي تنسب المبادرة إلى عهده في قيادة الصين، والذي بدأ عملياً منذ أواخر العام 2012، حين تولى موقع الأمين العام للحزب الشيوعي الحاكم، إن بلاده ستقوم خلال السنوات الخمس المقبلة (2018 - 2023) باستثمار أكثر من 500 مليار دولار أميركي، استثماراً مباشراً في الخارج، ستكون حصة كبيرة منها بطبيعة الحال في الدول الواقعة على "الطريق والحزام". بالنسبة للعالم العربي، قال الرئيس الصيني يومها إن البضائع التي تستوردها الصين من الدول العربية تساوي 7% فقط من الواردات الصينية السنوية، فيما تبلغ الاستثمارات الصينية المباشرة في الدول العربية نحو 2.2% فقط من الاستثمارات الصينية المباشرة، موضحاً أن الصين تسعى إلى استثمار مائة مليار دولار في الخارج، في السنوات المقبلة.

العرب والصين
يستدعي هذا بالطبع دعوة العرب إلى سرعة الالتحاق بالعلاقات الصينية المستحدثة مع العالم، في إطار هذه المبادرة الطموحة. هنا، علينا أن نبني فهماً عميقاً لكيفية التعاطي مع الصين، بدل الأفكار الانطباعية السائدة حتى بين سياسيينا عن دور الصين حالياً في مقارعة القطبية الأميركية! علينا في الحقيقة الانتباه إلى مسألتين:
1- ليست القضية الأساسية بالنسبة للصين سياسية، ولا عسكرية، بل اقتصادية وتنموية، تتمحور حول بناء قدرات الدولة، وتمكين المواطنين اقتصادياً. كذلك فإن أدوارها الخارجية مشغولة بتوفير النفط الذي لا تتوفر عليه من مصادر داخلية، فتضطر لاستيراده، وبتوسيع أسواق منتجاتها وترويج قدرتها على إنتاج بضائع ذات جودة عالية، جنباً إلى جنب مع البضائع متدنّية الجودة، بمعنى أنها ليست مشغولة بالآخرين على المدى المنظور، سواء لمناكفتهم، أو للدفاع عنهم. ضروريٌّ لنا، نحن العرب، أن نفهم الصين من هذه الزواية، حتى نحسّن بناء علاقتنا معها، لكننا، في الوقت نفسه، علينا أن ندرك سعي الصين إلى بناء علاقات سياسية واستراتيجية مع مناطق مختلفة من العالم، وفق ما تحتاجه في كل منها. يمثل جنوب شرقي آسيا، بالطبع، أهم تلك المناطق، كونها تمثل محيط الصين، إذ من مصلحة الصين تحقيق السلام والهدوء فيها، بما يخدم ازدهار الاقتصاد الصيني، والاستفادة منها باعتبارها سوقا إضافيا لتصدير البضائع الصينية. كذلك، سعت الصين إلى توثيق علاقاتها بدول جوارها، مثل تايلاند والفيليبين وكمبوديا ولاوس، لأهدافٍ تتعلق بالحد من النفوذ الياباني، وكسب تلك الدول إلى صف الصين في مسألة استعادة تايوان، فضلاً عن إغلاق هذا المحيط الاستراتيجي في وجه النفوذ الأميركي، كي لا تستعمله الولايات المتحدة في الضغط على الصين. لكن الصين، وإلى
جانب هذا "المحيط"، عمدت أيضاً إلى توسيع صلاتها الاستراتيجية مع مناطق أخرى، من تلك التي تكون لها معها مصلحة مباشرة، تتعلق خصوصاً بالنفط والاستثمار، ومثال ذلك فنزويلا.
2- علينا إدراك أن "مستقبل الصين"، أي الوقت الذي تصبح فيه الصين ذات مكانة عالمية متقدّمة ومفيدة، سياسياً، لن يبدأ قبل العام 2049، وهو الذي يصادف مئوية تأسيس جمهورية الصين الشعبية، حيث تريد الصين، كما تقول خططها وأدبياتها، أن تصير فيه الدولة الأولى اقتصادياً في العالم (حالياً هي في المرتبة الثانية بعد الاقتصاد الأميركي وقبل الياباني الذي فاقته منذ العام 2008). أما اليوم، فالصين تشغل مكاناً محدوداً تحت الشمس، بالمعنى الاستراتيجي الشامل، لكنه مكانٌ آخذٌ بالاتساع، ومن المفيد جداً أن نبدأ تقاربنا معها منذ اليوم، استعداداً لمستقبلها الآتي لا محالة، فالصين التي حقّقت النجاح التجاري الكبير، منذ راحت تبيع للعالم كل شيء وأي شيء، ابتداءً من العام 1978، حتى باتت تملك وفراً مالياً هائلاً يفوق أي دولةٍ أخرى، يُقدّر بتريليوني دولار أميركي، تفكّر اليوم بمستقبلها ونفوذها، ويعكس رئيسها، شي جين بينغ، طموحاتها الكبرى في العلاقات الدولية، من خلال خطته "الطريق والحزام". وفي الجانب العسكري منذ أقام أول استعراض عسكري للصين بعد الحرب العالمية الثانية، العام 2015، وسماحه منذ العام 2016، للأسر الصينية في المدن بإنجاب ولدٍ ثانٍ، بدلاً من القانون السابق المعمول به منذ أوسط سبعينيات القرن العشرين، الذي كان يتيح للأسرة الواحدة إنجاب ولد واحد، إذ يبدو أن القيادة الصينية تهدف بذلك إلى زيادة الموارد البشرية المتاحة للتجنيد العسكري، بعد عقدين.
ما يمكن أن يفيدنا، نحن العرب، في علاقتنا مع الصين، إذن، هو استثمار مبادرة الطريق والحزام، للانتقال من الطابع التجاري البحت إلى طابع حضاري، يمكن من خلاله للعرب، وقبل أي شيء آخر، أن يستفيدوا من التطور التكنولوجي الذي أحرزته الصين، في مقابل ما يقدّمونه لها من النفط الذي تحتاجه لاستمرار صناعاتها، تماماً كما فعلت الصين نفسها، حين أدارت علاقاتها الاستثمارية مع الغرب بذكاء في السنوات الثلاثين الأخيرة، ودفعت الشركات الغربية إلى نقل التكنولوجيا إلى الصين، وإقامة شراكاتٍ صناعيةٍ مع الصينيين، أتاحت لهم الاطلاع على جزء من التكنولوجيا المتطورة. ومما هو مسلّم به أن حصولنا على تكنولوجيا صناعية حديثة، وحصولنا على التدريب الذي يمكّننا من استيعابها، فضلاً عن مضينا في طريقها تطويراً وإنتاجاً، لن يكون ممكناً من بوابة الغرب. بكلماتٍ أخرى، المسألة الأساسية في تقاربنا مع الصين ينبغي أن تتمثّل في الانتقال من قاعدة "النفط مقابل المال"، إلى قاعدة "النفط مقابل التكنولوجيا"، إن كان ثمّة اهتمام، فعلاً، بتطوّر العالم العربي وتقدمه حضارياً، إذ توضح الأرقام أن الصين أصبحت أكبر مستوردٍ للنفط في العالم اعتباراً من العام 2013، حيث تستهلك منه يومياً نحو 11 مليون برميل، تُنتج منها نحو 4.5 ملايين برميل، فيما تزيد حاجتها عن إنتاجها بنحو 6.5 ملايين برميل، تضطر لاستيرادها من الخارج، وهي مسألةٌ تمثل ضعفاً استراتيجياً كبيراً لهذه القوة العالمية الصاعدة.
والحال أن ثمّة في الصين منجماً من الفرص المستقبلية، يمكن إن أحسن العرب إدارة العلاقة معها، تحقيق مصالحهم الاستراتيجية الكبرى: لا بد من إدارة العلاقة مع الصين من منظور حضاري، تنال فيه الصين مصالحها التي عندنا، لكننا ننال منها، في المقابل، ما يخدم تقدمنا من عوامل مادية وغير مادية.
1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.