حين تصنع الصين طائرة

حين تصنع الصين طائرة

14 مايو 2017

الطائرة سي 919 تقلع من من مطار شنغهاي (5/5/2017/Getty)

+ الخط -
نجحت الصين في الخامس من مايو/ أيار الجاري، في تجربة طيران أول طائرة ركاب صينية الصنع، أنتجتها شركة "كومرشال ايركرافت كوربوريشن أوف تشاينا" (كوماك)، الحكومية، حيث أقلعت الطائرة سي 919، التي حملت على متنها طاقماً من خمسة أفراد، من مطار شنغهاي الدولي، وحطت فيه بعد ساعة وعشرين دقيقة، وسط تصفيق جموع من الصينيين وهتافهم، لتفتح الصين بذلك طموحاتها الكبرى في الطيران.
وجاء في الأخبار أن الصين تأمل مع هذه الطائرة التي تسع 168راكباً لرحلات طولها 5550 كيلومتراً، في منافسة طائرتي "بي737" للأميركية بوينغ، و"إيه 320" للأوروبية إيرباص، في الرحلات الإقليمية، علماً أن الصين ستكون في حلول العام 2024 أكبر سوقٍ عالميةٍ للنقل الجوي، متقدمة على الولايات المتحدة.
كتب معلقون عرب في موقع إخباري عبارات ساخرة، من قبيل: "والله لو أعطوني ملك الدنيا ما ركبت في طائرة من صنع الصين"، و"لن يركبها إلا الذين يريدون الانتحار، ولا يجرؤون على الإقدام عليه"، و"طائرة من إنتاج الصين مثل السيارات الصينية الخردة"، وهذه عبارات تعكس عدم الثقة بالمنتجات الصينية، والاعتقاد دائماً أن جودتها منخفضة، مثل معظم ما يجري استيراده منها إلى البلدان العربية.
ذكّرتني تلك التعليقات بدهشةٍ أصابتني، حين استدرجني إعلان تجاري لزيارة معرض للسيارات الصينية الجديدة في عمّان. رحتُ هناك، وأنا أتذكر السيارات الصينية الرديئة التي نزلت الأسواق العربية منذ خمس عشرة سنة. قلت في نفسي: أتفرّج من أجل المعرفة، كوني مهتما بتجربة الصين الحضارية، والعلاقات العربية الصينية. كانت دهشتي كبيرة، حين وجدت السيارات التي صنعتها شركة حكومية على درجة عالية من جمال التصميم، ووجدتُ جسمها المعدني أقوى كثيراً مما لدى سيارات آسيوية مشهورة، ثم حين جرّبتُ قيادتها وتفحصتُ ما فيها من إضافات داخلية، وها أنا اليوم أقتني إحداها بكل فخر.
الحقيقة أن الصين طوّرت صناعاتها في مجال النقل كثيراً منذ العام 2010. الصين اليوم أفضل مُصنّع لقطارات المترو في العالم. لديها في مدينة شنغدو أول قطار معلّق في العالم. استطاعت أن تصنع سياراتٍ فاخرة باتت تنتشر في أسواق عالمية وعربية، منها الإمارات ومصر، تنتج محركاتها بنفسها، بعد أن كانت تعتمد على محركات السيارات اليابانية والكورية. وقد حققت الصين قفزات صناعية هائلة في السنوات القليلة الأخيرة، فليس غريباً أن تصنع طائرة ركاب ناجحة وفاخرة.
زرتُ الصين كثيراً، وعرفت أن لديها صناعات متفاوتة الجودة، من الفاخرة جداً إلى الرديئة. وقد ظلت تبيع كل شيء وأي شيء، حتى باتت تملك وفراً مالياً هائلاً يفوق أي دولةٍ أخرى، يُقدّر بتريليوني دولار أميركي. وعلينا أن نلوم دولنا التي تسمح للتجار بإدخال البضاعة الرديئة، فيما يذهب الإنتاج الصيني الفاخر إلى الولايات المتحدة وأوروبا. علينا أن نتذكّر مثلاً أن الصين أنتجت هواتف خلوية ذكية فاخرة، وأجهزة كمبيوتر محمولة فاخرة، تنتشر في العالم كله.
ولا يتعلق الأمر بتفاوت جودة الصناعات الصينية وحسب، فلدى الصين اليوم خطة استراتيجية طموحة للتطوّر الصناعي. الصين التي حققت النجاح التجاري الكبير، وباتت القوة الاقتصادية الثانية في العالم منذ العام 2008، تفكر اليوم بمكانتها تحت الشمس، ويعكس رئيسها، شي جين بينغ، طموحاتها الامبراطورية الكبرى التي تسعى إلى بلوغها العام 2049 مع مئوية تأسيس الجمهورية الشعبية، في جوانب العلاقات الدولية من خلال خطته "الطريق والحزام" للتعاون مع دول العالم، وفي الجانب العسكري منذ أقام أول استعراض عسكري للصين بعد الحرب العالمية الثانية، العام 2015، وهو الذي صرّح العام 2014 أن عدم وجود طائرة مصنوعة في الصين يعني البقاء تحت رحمة الآخرين! الصين تسبق تفكيرنا كثيراً، وعلينا أن نعمل "تحديث" لمعلوماتنا وتفكيرنا بشأن جودة صناعاتها، بشكل مستمر.
هكذا، يبدو واضحاً أن الصين تمضي نحو المستقبل بخطواتٍ ثابتة. يا قوم، أليس علينا أن نسبق الآخرين إلى الصين، ونقيم علاقاتٍ حضاريةً متينة معها على أساس تبادل المصالح، ونحن الذين نملك أكثر ما تحتاجه هذه القوة الدولية الصاعدة؛ النفط، ويمكننا مبادلته لا بالمال وحسب، بل بالتكنولوجيا، إذا كنا نريد حقاً أن نخرج من تخلفنا الحضاري إلى موقعٍ أفضل، نشارك منه في الحضارة البشرية المعاصرة.

دلالات

1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.