محمد بن سلمان أيضا وأيضاً

محمد بن سلمان أيضا وأيضاً

29 أكتوبر 2018
+ الخط -
للتذكير فقط، ليس محمد بن سلمان (33 عاما) وليا للعهد في العربية السعودية وحسب. هو أيضا نائب رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ورئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية، عدا عن رئاساته عدة مؤسساتٍ معنيةٍ بأنشطةٍ اجتماعيةٍ في المملكة. ولمّا انضافت إليه، بعد قتل جمال خاشقجي، رئاسةُ لجنةٍ وزاريةٍ عُهدت إليها إعادة هيكلة أجهزة الاستخبارات السعودية، فذلك يعني أن اليد الطولى له صارت أطول، فتتيح له هذه الرئاسة المستجدّة استبعاد من ليسوا على مزاجِه في هذه الأجهزة، وكذلك المسؤولين عن انكشاف الأداء البائس في اقتراف جريمة قتل خاشقجي في القنصلية في إسطنبول.
وعندما يأتي محمد بن سلمان نفسُه، أمام الشاشات، في معرض تقريظه العلاقات بين بلاده وتركيا، على أنه وليّ العهد، وعندما يقول ابن عمّه، تركي الفيصل، إن من يظنون أن تغييراتٍ ستحدُث في المملكة بشأن مسار خلافة الملك مخطئون، وإن شعبية ولي العهد تزيد بزيادة النقد الأجنبي له، عندما يُضاف هذا الكلام، وكذا سابقُه لبن سلمان، إلى معرفتنا بالمسؤوليات الكبرى التي يتولاها الأخير، فذلك كله يسوقُ إلى أن تنحيتَه عن موقعه الأهم، وليا للعهد، أو على الأصح ملكا غير متوّج، أمرٌ لا تتوفر له مفاعيلُ داخلية، لا في البلاط الملكي ولا في أسرة آل سعود ولا في المنظومة القبلية ولا في الحرس الوطني ولا في الجيش والأمن والمخابرات. وفي البال أن لا أحدَ في أيٍّ من هذه كلها نطق بشيءٍ لما حبَس المتحدّثُ عنه هنا أمراءَ وأبناءَ ملوكٍ وناسا وازنين في عالم السلطة والثروة. ويحتاج واحدُنا إلى أرطالٍ من البلاهة ليصدّق أن ثمّة أمراءَ "يهمسون" في أذني الملك سلمان بأن من الأنفع استبدال نجلِه ولي العهد هذا بنجلٍ آخر، فمن شاربو حليب السّباع هؤلاء الذين يقدرون على همسٍ مثل هذا، بينما يعيّن الملك نجلَه هذا رئيسَ لجنةٍ لهيكلة الاستخبارات، ساعاتٍ بعد أن علم بغضبٍ شاسعٍ في العالم من جريمة القنصلية؟.
ليس الأمر كذلك في الولايات المتحدة وأوروبا. لا تجد مجلة دير شبيغل الألمانية حرجا في تسمية محمد بن سلمان، على غلافها، قاتلا. ولا تتوقّف صحيفتا واشنطن بوست ونيويورك تايمز عن نشر القرائن والشواهد الغزيرة عن مسؤولية ولي العهد هذا المباشِرة في قتل جمال خاشقجي في القنصلية. ويُعلن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي، السيناتور الجمهوري، بوب كروكر، إن محمد بن سلمان "فَعَلها". ويلحّ رؤساء دول ثقيلة، بينهم رجب طيب أردوغان، على ضرورة معرفة من أرسل الجناة الخمسة عشر إلى إسطنبول، ومعهم أمرٌ بقتل خاشقجي. وتكاد تنعدم الثقة بتحقيقات سلطات المملكة مع هؤلاء، فمنظومة العدالة في هذا البلد لا تحوز احتراما وتقديرا. ولذلك، غيرُ مستبعدٍ أن تتدحرج القضية إلى تحقيقٍ دولي، في وسعه جلاء القطبة الأهم في الجريمة، أي من أمر بها، وابتعث القتلة، وبعضُهم أصحاب مسؤولياتٍ ومناصب في الاستخبارات السعودية، وفي حراسة محمد بن سلمان، وفي أجهزة أمنيةٍ، ليس في مقدور أيٍّ منهم أن يستقلّ طائرةً من دون ترخيص مسبق.
يستدعي مسؤولون وازنون في الولايات المتحدة وعموم الغرب، ومعهم برلمانيون وإعلاميون، وكذا منظماتٌ وهيئاتٌ حقوقيةٌ كبرى، انتهاكاتٍ جسيمةً تعود المسؤولية عنها إلى بن سلمان. ويستدعون أيضا أرشيف الفشل الكثير الذي أنجزه المذكور بجدارةٍ في أقل من عامين، في غير ملفٍّ وشأن، ليس فقط لانعدام خبرته في السياسة والإدارة، وإنما لطيْشه وخفّته في اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية، في موازاة تحكّمه بالأمن والاقتصاد والسياسة الخارجية للمملكة. ولم يعد خافياً أن الاستخبارات الأميركية، ومعها وزارتا الخارجية والدفاع، لا يستحسنون استمرار هذا الشاب في موقعه، فلديهم مخاوفُهم من قلة انضباطه في غير مسألة. ويتّسع عدم الاستحسان هذا، ويصل إلى التبرّم والسخط، في غير عاصمةٍ أوروبية. وذلك كله يعني أن إزاحة محمد بن سلمان من ولاية العهد في بلده أمرٌ يزداد إلحاحا في أجنداتٍ دوليةٍ، أميركية وغيرها، والرّهان في هذه المسألة هو على أن تحافظ قضية جمال خاشقجي على زخمها، وأن لا يضعُف الإلحاح التركي على محاكمة المتورّطين في الجريمة خارج مملكة الصمت واللفلفة.

دلالات

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.