فتح وآخر المنعطفات

فتح وآخر المنعطفات

04 يناير 2018
+ الخط -
بعد ثلاثة وخمسين عاماً على انطلاقتها، تمر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بأزمة كبيرة ومنعطف سياسي خطير، حتى وإن لم يتم الاعتراف بذلك، فهي أزمة القضية الفلسطينية التي وصلت إلى أوضاع صعبة وكارثية، بسبب الخيارات السياسية المبنية على الاتفاقيات التي وصلت إلى طريق مسدود.
نشأت حركة فتح على مبادئ تحرير الأرض الفلسطينية المحتلة كاملة غير منقوصة، وشكلت المجموعات الفدائية داخل الأراضي المحتلة وخارجها، التي قامت بمهاجمة أهداف عديدة للاحتلال، كما وأسهمت في نشر الثقافة الوطنية المناهضة للاحتلال، من خلال أدبياتها المطبوعة والمغنّاة، وبقيت على حالها هذه، وبالروح والعزيمة نفسيهما، إلى أن تمّ إعلان الدولة الفلسطينية عام 1988 من الجزائر، وعلى إثر ذلك قامت منظمة التحرير، بقيادة حركة فتح بالاعتراف بقرار 242 الذي يستثني الجزء الأكبر من فلسطين. وعليه، كان الاستناد للدخول في المفاوضات التي تُوجت باتفاق أوسلو.
بنت حركة فتح مستقبلها في الأراضي الفلسطينية المحتلة على خيار المفاوضات خيارا وحيدا، آملة بذلك تحقيق إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام1967، وقد ظنّت قيادتها أن ذلك هو الممكن والقادرعلى إقناع العالم بعدالة القضية الفلسطينية، ما يمكّنها من الحصول على التأييد الدولي في ذلك. ومن هنا، قامت السلطة الفلسطينية التي تقودها حركة فتح للسعي إلى منع أي خيار يتعارض مع خيار فتح ومنظمة التحرير؛ خيار المفاوضات.
وقعت حركة فتح التي تقود المنظمة في إشكالية كبيرة، عندما اعتقدت اعتقاداً جازما أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي الوسيط الذي يمكنه أن يجبر دولة الاحتلال على تقديم أي تراجع عن السيطرة الاحتلالية على الضفة الغربية، بما فيها شرقي القدس المحتلة. وعلى مدار 25 عاماً من المفاوضات والاتفاقيات الموقعة، التزمت السلطة الفلسطينية التي تقودها حركة فتح من جانب واحد بتطبيق الاتفاقيات، وخصوصا الشق الأمني منها، في حين تنكبت دولة الاحتلال عن تطبيق جوهر الاتفاقيات، وخصوصا المتعلقة بالانسحابات من الأراضي المحتلة، وغيرت في تفسيرها وبدلت، ولم يستطع الراعي الوحيد لعملية السلام من أن يجبرها على الالتزام بتعهداتها، وما هو واجب عليها، بل كانت الولايات المتحدة كثيراً ما تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية متبنية تفسيراتها أيّاً كانت.
أعطت حركة فتح فرصة كبيرة لخيارها السياسي المبني على المفاوضات، وما زالت مبدية استعدادها للرجوع إلى طاولة المفاوضات، بشرط وقف الاستيطان، على الرغم من أنها فهمت وتعلم علم اليقين أنّ الذي يحدث مصيدة ومضيعة للوقت، هدفه الأول والأخير تغيير الواقع على الأرض، من خلال بناء المستوطنات وعزل المدن الفلسطينية شيئاً فشيئاً.
كان لاعتراف الولايات المتحدة بالقدس الشرقية عاصمة لدولة الاحتلال أثر صادم على الشعب الفلسطيني وقيادته، وخصوصا حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية، إذ لم يُبق هذا الاعتراف من شك بعبثية الخيار السياسي الذي لم يوصل، على الرغم من طول السنين، إلاّ إلى ضياع مزيد من الأرض الفلسطينية وابتلاعها لوحش الاستيطان، في وقت ضاقت فيه الخيارات التي من الممكن أن تلجأ إليها السلطة الفلسطينية، بعد أن قيدت نفسها بالتزاماتٍ تعتبر الخيط المتبقي بينها وبين الطرف الآخر.
يرى المراقبون للشأن الفلسطيني أنّ مبررات التعويل على خيار المفاوضات في ظل الظروف الحالية يعتبر بيعاً للوهم. ومن هنا فإنّ حركة كبيرة، كحركة فتح التي قادت النضال الفلسطيني عقودا، هي التي سارت في طريق وعر وشائك، لكنها ما زالت قادرة بما تملكه من قدر من التأثير على مجريات الأحداث، وما تملكه من تأثير على الشارع الفلسطيني من إحداث نقلة جديدة في طبيعة الصراع وشكله. ولهذا عليها من جديد توضيح أهدافها للمرحلة المقبلة، وصياغة برنامج جديد مبني على الشراكة السياسية والوحدة الوطنية الشاملة، والسعي إلى تشكيل قيادة فلسطينية وطنية موحدة على أهداف محدّدة يتفق الكل الفلسطيني عليها.
على حركة فتح أن تدرك أنها أمام منعطف تاريخي، وقد يكون الأخير بأن تستعيد أنفاسها وتنفض غبار السنوات العجاف عن نفسها، وتجري من الإصلاحات في بنيتها لتبقي مع باقي الفصائل الفلسطينية جذوة الأمل والتحرير ومنارة للجيل الفلسطيني الجديد، الواثق بعدالة قضيته، وحتمية انتصارها.
0D0DAAE2-9C11-45A6-8AFB-12332414478A
0D0DAAE2-9C11-45A6-8AFB-12332414478A
جمال حاج علي (فلسطين)
جمال حاج علي (فلسطين)