استراتيجية "يخرب بيتك"

استراتيجية "يخرب بيتك"

21 يناير 2018

عباس أمام المجلس المركزي: ترامب.. يخرب بيتك (14/1/2018/الأناضول)

+ الخط -
لا أحد يمكن أن ينكر اليوم أن القضية الفلسطينية تمر بالمراحل الأخطر في تاريخها، مرحلة قد تكون موازية لاحتلال فلسطين في عام 1948، خصوصاً أن المطلوب عربياً ودولياً هو طي صفحة هذه القضية إلى الأبد، ضمن مشروع للحل النهائي بات معروفاً باسم "صفقة القرن". مشروع يحمله معه نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، الذي بدأ زيارته إلى المنطقة.

ولا أحد يمكن أن يناقش اليوم في أن القدرة الفلسطينية على مواجهة هذا المشروع باتت أقل بكثير مما كانت عليه في السنوات الماضية، وتحديداً في مرحلة ما بعد مؤتمر كامب ديفيد الثاني في عام 2000، وذلك لاعتبارات كثيرة، منها ما هو مرتبط بالقيادة الفلسطينية نفسها، وآخر له علاقة بالتغييرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، إضافة إلى ظهور طاقم من المسؤولين العرب الذين أصبحوا يجاهرون بضرورة إنهاء القضية باتفاق الحد الأدنى للتفرغ لملفات أخرى يعتبرونها أكثر إلحاحاً، وفي مقدمتها الملف الإيراني الذي ترى فيه السعودية، عرّابة صفقة القرن عربياً، خطراً وجودياً.
أمام هذه الهجمة الشرسة، الواضحة المعالم، على القضية الفلسطينية، كان من المفترض من قيادة السلطة ومنظمة التحرير أن تجتمع لبلورة استراتيجية مواجهة لما يحاك في الخفاء والعلن ضد القضية. هذا ما حصل فعلاً في اجتماعات المجلس المركزي للمنظمة، والذي خرج بتوصياتٍ كان يمكن أن تكون جيدة، لولا صفتها الاستشارية غير الملزمة التي لا تجبر السلطة على الانصياع لها، وخصوصاً في ما يخص تعليق الاعتراف بإسرائيل، أو وقف التنسيق الأمني معها. ولعل عملية جنين قبل أيام، والدخول الإسرائيلي إلى أحياء في المدينة لملاحقة مطلوبين، خير دليل على أن التنسيق الأمني قائم على قدم وساق، وغير مكترثٍ لكل التوصيات التي يمكن أن تصدر عن أي إطار قيادي في منظمة التحرير.
لكن اللقطة الأبرز في اجتماعات المجلس المركزي كانت مع خطاب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وردّه على الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي اتهم أبو مازن بأنه لا يريد التفاوض مع إسرائيل، فما كان من الأخير إلا أن رد بعفوية استنكارية على ترامب بعبارة "يخرب بيتك"، وتلا بعدها كل سياسته القائمة على التفاوض. عملياً ردّ فعل عبّاس محقٌّ جداً، إذ كيف يمكن أن يُكال له مثل هذا الاتهام، وهو الذي لا يرى بديلاً عن العملية السياسية حلا للمسألة الفلسطينية، حتى في ظل الهجمة الحالية الشرسة التي تشهدها هذه القضية. أبو مازن يمكن أن يتقبل أي اتهام آخر، إلا أن يتم الطعن باستراتيجيته الأساسية التي يعمل لها بإخلاص منقطع النظير، منذ ما قبل اتفاق أوسلو وما لحقه من مفاوضات خلال عهد الزعيم الراحل ياسر عرفات وبعد ذلك.
لكن بغض النظر عن رد الفعل الاستنكاري العفوي لهذه التهمة، يمكن النظر إلى "يخرب بيتك"، استراتيجية محتملة لمواجهة هجمة تصفية القضية، خصوصاً أن أبو مازن ما يزال مصرّاً على إسقاط أي خيارات أخرى ممكنة، والكلام ليس هنا عن المواجهة المسلحة التي يبغضها ويحذر من تداعياتها، حتى أنه يصنفها إرهاباً، بل هناك مسائل أخرى يمكن اللجوء إليها، وفي مقدمتها حلّ السلطة الفلسطينية وإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل أوسلو.
غير أن هذا الخيار لا يبدو وارداً في أذهان مسؤولي السلطة الذين يبدو أنهم يفضلون تبني استراتيجية الدعاء على الأعداء بخراب البيوت.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".