إسرائيل في الهند

إسرائيل في الهند

18 يناير 2018

نتنياهو وزوجته أمام تاج محل في أكرا بالهند (15/1/2018)

+ الخط -
صحيحٌ أن الصداقات الشخصية ليست هي الحاكمة بالضرورة بشأن علاقات البلدان والحكومات، إلا أن الحميمية الضافية في الصداقة القوية بين رئيسي وزراء الهند وإسرائيل، ناريندا مودي وبنيامين نتنياهو، توضح المستوى الهائل الذي بلغته العلاقة بين البلد الآسيوي العظيم الأهمية ودولة الاحتلال. دعك من أن مودي استبدل وزيرا في حكومته بشخصه، ليكون في مقدمة مستقبلي الضيف وزوجته، ودعك من أن الزيارة تستمر ستة أيام، يجول نتنياهو وزوجته في أثنائها في عدة ولايات هندية، ودعك من أن البرنامج الحافل فيها لم يقتصر على لقاءات مع خبراء في التكنولوجيا ورجال أعمال ومسؤولين في قطاعات متنوعة، وإنما اشتمل أيضا على لقاءات مع نجومٍ في السينما الهندية. دعك من هذا كله، وغيره كثير، وتعرّف على الطموحات التي تتطلع تل أبيب ونيودلهي إلى أن تتحقق في مستويات التعاون والتبادل التجاري والصفقات العسكرية والاستثمارات، وأيضا في قصص الإرهاب والأمن ومكافحة التطرّف. وقبل ذلك، لو تتملّى في "خيبة أمل" نتنياهو من تصويت الهند في الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار بشأن القدس، أخيرا، ذلك أنه تصويتٌ لا يستقيم مع العلاقة الخاصة بين الدولتين الصديقتين، ولا سيما أن نيودلهي أحسنت صنعا مع صديقتها عندما امتنعت عن التصويت في صيف العام 2014 على تقريرٍ للأمم المتحدة بشأن الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة. 

إنها الهند التي كانت من بين 13 دولة عارضت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 181 في العام 1947، والتي صوّتت مع إلغاء قرار الصهيونية واحدةً من صور العنصرية في 1992، وكانت معه عند إشهاره في 1975. إنها الهند التي في وسع رئيس حكومتها الراهن، ناريندا مودي، أن يزهو بنفسه، إذ هو أول من يفعلها، في موقعه الرفيع، ويزور إسرائيل الصيف الماضي. وإلى هذا، لم يكلف خاطره عندئذ بالمرور على رام الله، ولو للإيهام بشيءٍ من التوازن، كما يفعل ضيوف كثيرون على حكومات الاحتلال. يومها نُشر مقال مشترك للصديقين، مودي ونتنياهو، كتبا فيه إن الهند وإسرائيل يسيران يدا بيد نحو المستقبل شريكيْن. وللحق، لم يكذبا في هذا، فالوفد المتنوع الذي يصاحب نتنياهو في رحلته الحالية للهند (الثانية لرئيس وزراء إسرائيلي بعد زيارة شارون في 2003)، هو الأكبر في كل مشاوير المسؤولين الإسرائيليين في العالم. كما كان بيع تل أبيب نيودلهي صواريخ وتكنولوجيات عسكرية في إبريل/ نيسان الماضي أكبر صفقةٍ من هذا النوع تعقدها إسرائيل.
التعرّف على تفاصيل مسار تنامي العلاقات الإسرائيلية الهندية، وباضطراد متسارع، ميسورٌ في دراسات منشورة، جيدة المستوى. وأيّ أطلالةٍ عليها ستبعث على الدهشة من مقادير ما "تنتفع" به الهند من إسرائيل، ليس فقط في الصناعات العسكرية ومنظومات التسلح المتطوّرة، الدفاعية والهجومية، الصاروخية وغيرها، وإنما أيضا في تكنولوجيات الزراعة والطاقة والمياه، وفي شؤون الثقافة والصناعة والاستثمار والفنون. وإلى هذه الدهشة، يُلاحظ أن كل هذا التعاون المهول تسارع مع تردّي حال العرب وانحداره، وبؤس الرهان عليهم في غير أمر، إذ لا يملكون ما يريده الهنود، وأيضا مع تزايد نزعات التطرّف الهندوسية والقومية، المتشدّدة والمتعصبة، في الهند، والتي يعد حزب بهاراتيا جاناتا (الشعب الهندي) من عناوينه الأهم، وهو الحزب الذي ينتسب إليه ناريندا مودي، الذي ينشط في ضم شخصياتٍ بالغة التشدد في محيطه، وفي أرشيفه أنه كان رئيس حكومة ولاية غوجرات (زارها نتنياهو أيضا!)، في العام 2002، لمّا حصلت هناك اعتداءاتٌ طائفيةٌ ضد المسلمين في الولاية، وقد قضى منهم نحو ألفين حرقا، وضُرب منهم أطفالٌ ونساء حتى الموت، فضلا عن حرق أحد المساجد، وتحدثت تقارير عن مقادير من المسؤولية عن ذلك كله يتحملها مودي شخصيا. ومع وجود أكبر أقلية مسلمة في العالم في الهند (150 مليونا)، إلا أن حضورهم البرلماني والسياسي في البلاد لا ينفكّ يضعف وينحسر، بالتوازي مع ضعفٍ كبيرٍ يشهده حزب المؤتمر العتيد.
كأن تفاصيل الداخل الهندي، إذن، تتوازى مع اهتراءٍ عربيٍّ وإسلاميٍّ منظور في الخارج، فتربح إسرائيل، ويلتقط رئيس وزرائها، نتنياهو، مع زوجته، صور بهجتهما أمام قصر تاج محل.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.