مستقبل العراق بعد احتجاجات إيران

مستقبل العراق بعد احتجاجات إيران

13 يناير 2018
+ الخط -
يربط الحكومتين، العراقية والإيرانية، رباط استراتيجي في مفهوم العلاقات الدولية من جهة، وعبر القناة التي دأب الطرفان على تعزيزها، وتنمية مظاهرها، أكثر من اثني عشر عاما، وهي التي تتبنى المفهوم العقائدي المرتبط بالطائفة من جهة أخرى، ووفق برنامج منظم (إيرانيا) لتكريس هذا واقعا ملموسا لدى كل دول الإقليم وسواها، وإحساسا بات ملازما لتفاصيل حياة العراقيين على كل مستوياتهم وانتماءاتهم السياسية والعقائدية والقومية. وقد سعى القائمون على مقاليد الأمور في العراق  إلى اعتماد هذا الأمر، واعتبروه مسمار الأمان لمجمل النظام القائم أمام تحدياتٍ تواجههم من بقية الدول الإقليم، مثل تركيا والعربية السعودية وحتى الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تريد أن تجهض المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة.
وحين انطلقت الاحتجاجات الشعبية في إيران في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2017، بدءا من مدينة مشهد، ثم انتشارها بسرعة لتصل إلى العاصمة طهران، مرورا بمدن في جنوب البلاد وشرقها وغربها، بدا للعراقيين المعادين أو الممتعضين من الدور الإيراني في بلدهم أن هذه الأحتجاجات تمثل بصيص أمل من داخل إيران، لإنطلاق (أو تحرّك) طلائع شعبية عراقية، والمطالبة بالتغيير والإصلاحات الجذرية، وإنهاء دور المرجعيات في التدخل بإدارة شؤون الدولة والأزمات. وفي مقابل ذلك، كان القلق واضحا جدا لدى التيارات المحسوبة على الجانب الإيراني، وكانت قيادات في تنظيمات حزبية ومليشياوية تراقب عن كثب، وتتصل بمرجعياتٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ لمعرفة تطورات الأحداث، ومدى قدرة النظام على صد هذه الاحتجاجات، ثم استيعابها، وما يمكن للعراق أن يقدمه دعما له.
الآن، وبعد مرور العاصفة بقوتها التي بنيت عليها آمال المتربصين بالنظام في إيران، وهدوء 
تحرّكات المحتجين الإيرانيين، تراجعت مديات الرؤى الخاصة بمستقبل حكم ولاية الفقيه. وهذا يعني أن حجم الآمال التي بنى عليها العراقيون صورة خلاصهم من أوضاعهم الحالية بدأت بالأفول، وأن طريقهم نحو نزع يد الدولة الأكثر تدخلا في شؤون بلادهم تبدّدت أضواؤه أو تلاشت.
ولمعرفة حجم التوأمة الرسمية والطائفية بين نظامي الحكم في العراق وإيران، ثمّة ما كتبه أستاذ للتاريخ السياسي في جامعة بغداد، على صفحته، في متابعةٍ منه لموضوع الاحتجاجات الإيرانية "نعم هي الحقيقة، وهي القصة ذاتها، إن تراخينا أو تراجعنا، أو انطلت علينا مؤامرة آل صهيون والأميركان وأيتام صدام، وأُكلت الجمهورية الإسلامية لا سمح الله من الداخل، أو الخارج، فلن تقوم لنا قائمة، ولن يبقى منا أحد على وجه الأرض، وسيفعلون كما فعل يزيد في كربلاء". هذا الوجه الحقيقي لمن يعتبر إيران "نصيرة المستضعفين" في العالم، وأنها حامية المذهب، ويدعون إلى نصرة هذا المذهب من خلال دعم نظام ولاية الفقيه، وهو تحديدا ما يدعو أصحاب المذهب الآخر إلى التخوف، وبدل أن يقوموا بالخطوات نفسها التي قام بها المحتجون الإيرانيون لإيصال قضية العراق إلى مفترق الطرق الذي يفرّق بين الفساد والشفافية، وبين الأمن والفلتان الأمني، وبين تعزيز الهوية الوطنية العراقية أو إلغائها وتشويهها وغيرها، عادوا إلى حالة القنوط والانكفاء، وبدا للمتابعين أن ما جرى في إيران مضى في معزل عن انعكاساته على العراق.
وتُظهر مراجعة موقف العراقيين خلال الاحتجاجات الإيرانية أن غالبيتهم كانوا يعبرون عن فرحتهم الغامرة، ما كان واضحا من خلال ما عبروا عنه في وسائل التواصل الاجتماعي، وكانوا ينشرون ويتبادلون تطورات الاحتجاجات، سواء في امتدادها مناطقيا، أو في تطور مطالب المحتجين، وطريقة تعامل السلطات معهم، وتعامل الكتاب والإعلاميين والمواقع الإلكترونية بطريقة سعت إلى دفع المجتمع العراقي إلى حالةٍ ربما مشابهةٍ لحالة الشعب الإيراني. كما أن مؤيدي النظام الإيراني في العراق جندوا كتّابهم ومغرّديهم للكتابة ضد المحتجين، وربط حركة احتجاجهم بفرضية "المؤامرة".
من يعرف الحالة في العراق الآن يعلم أن الصورة الفعلية، أو الداخلية، للعراقيين، مختلفة عن حالتها التي حاول كثيرون أن يهمشّوها، أو يعتبر أنها قد روّضت فعلا لصالح نظام ولاية 
الفقيه، وأن الوقت قد حان ليثبت قبول شعب العراق هذه الولاية. الحقيقة التي يقولها من يعيش داخل البيت العراقي بكل طوائفه، وبغض النظر عما يقال عن تظاهر العراقيين، بالتحسّب من سطوة القوى المؤيدة لإيران وبطشها ونفوذها في العراق. الحقيقة أن الفئة الأهم في العراق، والأكثر نسبة، وهي الشباب، مستعدة تماما للوثوب نحو قلب طاولة الأوضاع في العراق بشكل كامل، وهي تتبادل رؤاها وحنقها الرافض للواقع الفاسد في العراق مدار الساعة.
التغيير الذي يرى محللون أنه سيحدث (حتما) في العراق، تأثرا بشكل كبير بما يجري في إيران، وسقوط حاجز الخوف، وهيبة المرشد الأعلى هناك، يحتاج فقط إلى من يمسك بزمام المبادرة والإدارة، وهو موجود لكنه غير ظاهر حتى الآن. عندها فقط، سيكون التغيير في إيران تبعا للتغيير في العراق، وسيكون الاستغلال السيئ للدين في البلدين نهاية، ربما معاكسة للواقع الحالي. ويرى المراقبون، أيضا، أن التغيير المنشود، في إيران والعراق، لن يكون عبر صناديق الاقتراع التي غلّفت بعباءات (مذهبية) لتكون عملية تدوير للشخصيات المتكرّرة، بدل تغييرها في كلا البلدين.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن