صفقة مع الإرهاب

صفقة مع الإرهاب

31 اغسطس 2017
+ الخط -
لم يعد يخفى على أحد أنّ أفضل تجارة رابحة في سورية هي تبنّي ذريعة مكافحة الإرهاب، فهي الوسيلة الناجعة للأطراف المنخرطة في الملف السوري، لشرعنة قتل السوريين، وتحقيق مصالحها بأقصر مدة زمنية ممكنة. ولكن أن يتم عقد صفقات مفضوحة مع الإرهاب بشكل علني، هو الأمر الذي لم نعتد التعايش معه نحن السوريون.
في الأمس القريب، أتحفنا حزب الله، إلى جانب النظام السوري، بحربهما ضد الإرهاب، وإذ اليوم تتحوّل المعادلة إلى عقد صفقات مفضوحة مع من أسموهم إرهابيين، فبعدما ضمن حزب الله السيطرة على مناطق الشريط الحدودي مع سورية، أعلن عن وقف إطلاق النار للمعركة التي أطلقها الجيش اللبناني في بلدة فليطة في القلمون الغربي، ما طرح تساؤلاتٍ عن سبب إيقاف المعركة، بعد محاصرة التنظيم وتضييق الخناق عليه.
وزاد الأمر غرابة بعد الإعلان عن مفاوضات جارية بين حزب الله، بالتنسيق مع النظام السوري، لنقل الإرهابيين إلى دير الزور المحاصرة، وكيف لجهات ودول تدّعي محاربة الإرهاب أن تسمح لإرهابيين بالخروج تحت صور الأقمار الصناعية؟ ولماذا لم يجهز عليهم الجيش اللبناني الذي يدّعي أنّه حامي حمى الدولة والمؤسسات اللبنانية؟
خرجت بيانات متتالية لتأييد وقف إطلاق النار من الجيش اللبناني، وأخرى من النظام الحاكم في دمشق، وبارك الأمر حزب الله، وتم نقل عناصر التنظيم بمساهمات بشار الأسد عبر إرساله حافلاته الخضر، ليتم نقل الإرهابيين بتهجيرٍ لا قسري إلى دير الزور المحاصرة، ليضاف هنا تساؤل آخر: كيف سيتم تأمين دخول المسلحين إلى منطقة مطوقة من جميع الجهات، إلا إذا أرادوا إنزالهم من الجو، كما يتم عادة عند إسقاط المساعدات بطائرات اليوشن الأميركية لأهالي كفريا والفوعة في ريف إدلب؟
مسرحية مفضوحة نفذتها الأطراف المحاربة للإرهاب، فقتال التنظيم في الحدود السورية اللبنانية من قبل الجيش اللبناني، يوقفه فجأة حزب الله ويمنع الجيش من إنهاء الإرهاب بل وأرغمه على وقف النار، مقابل إعادة أسراهم الذين كانوا محتجزين عند التنظيم، ولكن المقايضة هنا كانت على الأموات مقارنة مع عودة عناصر حزب الله وهم على قيد الحياة، فأيّ صفقة هذه على الأموات التي قبلت بها القوات اللبنانية؟
علاوة على ما سبق، لا يقع اللوم على حزبٍ مصنّف على قوائم الإرهاب، إنما الرهان على القوات الباسلة التي ارتضت الارتهان لأوامر حزب الله، فهي قبل أشهر نفذت أوامره بارتكاب أفظع المجازر بحق اللاجئين السوريين في مخيمات البقاع، وتغنّت بشعارات مكافحة الإرهاب، من دون أي اهتمام للارتدادات التي ستترتب على الداخل اللبناني.
الصفقة الأخيرة والتفاوض كانا بمباركة النظام، جاءت تلبية لأهداف النظام وحزب الله اللبناني، وفي جزئها المفضوح هي تكريم لعناصر التنظيم الذين أنهوا مهمتهم في الجرود، بعد أن استولى حزب الله على كامل الحدود اللبنانية، وإلا لماذا يحرص حزب الله على حياتهم، بعدما تمّت محاصرتهم؟
كما أنّ انتقال عناصر التنظيم إلى الداخل السوري سيعطي ذريعةً مضافة لحزب الله إلى المشاركة في معركة دير الزور، والتي بدت أنّها على مقربة من الانطلاق، بعد تهيئة الظروف الموضوعية لها، وقد نشهد في الأيام المقبلة معارك حاسمة في عمق البادية السورية، والعناصر المتنقلة عبر الحدود ستُوكل لها مهام أخرى في تمزيق النسيج السوري، وتدمير ما بقي من معالم سورية فوق رؤوس السوريين.
سياسياً، ما حدث سيكون مساهماً في تعويم الأسد، خصوصاً بعد الفضيحة المدوية أنّ داعش هي من صنع حزب الله ونظام الأسد بتوجيهات من الولي الفقيه.
والخاسر الأكبر في صفقة القلمون هو لبنان وأحزابه التي تقف عاجزة بوجه حزب الله، وهي تراه يقود لبنان إلى الهاوية والجحيم، سيما أنّه ستترتب على تحجيم الجيش اللبناني تداعيات كبيرة، فمصير لبنان أصبح مربوطاً بقرار حزب الله ومصيره في سورية.
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
يمان دابقي (سورية)
يمان دابقي (سورية)