مرّة أُخرى.. الأزهر يخطئ الأمر

مرّة أُخرى.. الأزهر يخطئ الأمر

22 اغسطس 2017
+ الخط -
طالب السياسي التونسي، برهان بسيس، بحماية الجدل الدائر في بلاده بشأن مسألة الميراث من التأثيرات الخارجية، والمشرقية تحديدا، في تعقيب منه على النقد الشديد الذي وجّهه مستشار شيخ الأزهر إلى دعوة الرئيس الباجي السبسي إلى ضمان المساواة في الميراث بين الإناث والذكور.
كانت العلاقة بين الزيتونة والأزهر، في الغالب، تعيش حالة تنافس. وقد تتحول، أحيانا، إلى نوع من التنازع على المرجعية. وعلى الرغم من أن الزيتونة كانت، من حيث النشأة والتأسيس العلمي، أسبق زمنيا، إلا أن الأزهر استمر مؤسسة علمية، حيث لم تجرؤ القيادات السياسية المتعاقبة على التفكير في إلغائها، خلافا لما حصل في تونس، حيث أقدم الرئيس الحبيب بورقيبة، بعد الاستقلال مباشرة، على توحيد أنظمة التعليم، عبر تفكيك المؤسسة الزيتونية التقليدية، ففقدت تونس بذلك مؤسّسة كانت تؤطر المرجعية الدينية في تاريخها.
ليس ما دعا إليه الناشط السياسي بسيس أمرا واقعيا، لأن القضايا ذات الطابع الديني أو الفكري تختلف كثيرا عن المسائل السياسية المحلية، فهذه القضايا تشغل كل المعنيين بها، بقطع النظر عن جنسيات أصحابها، أو البلد التي تطرح فيه. الدين والفكر ملك مشاع، ولا يمكن مصادرتهما أو منع الخوض في مناقشتهما من خارج الإطار الجغرافي. ولهذا، كان من الطبيعي أن تثير دعوة الرئيس التونسي إلى المساواة في الإرث ردود فعل في أماكن متعدّدة، بما في ذلك أستراليا.
لا تكمن المشكلة، إذن، في حدود الداخل والخارج، وإنما في أزمة الشرعية التي تعاني منها مؤسسة الأزهر منذ عشرات السنين، لسبب عدم خضوعها لمراجعاتٍ وإصلاحاتٍ جذرية.
لا أناقش هنا موقف مستشار شيخ الأزهر، لأن النص الذي استند عليه قطعي الدلالة، وإنما المثير في موقفه أسلوبه التحريضي، وقفزه على أصل المشكلة التي تتخذ في مصر، وفي معظم دول المنطقة، أشكالا أكثر تعقيدا ودراماتيكية. أتحدث بالخصوص عن الضعف الهيكلي والمضموني للخطاب الديني الذي يكرّسه الأزهر، وغيره من المؤسسات الدينية في الواقع، حيث تراجعت قدرة هذه المؤسسة المهمة عن الاجتهاد، وعن بناء وعي إسلامي معاصر، وقادر أن يرتقي بمفهوم الدين إلى الكونية والعالمية. ولهذا جاء ردّ الفعل الأزهري على المسؤول السياسي التونسي مفعما باللغة العاطفية التي تجنب صاحبها النظر مباشرةً في مقاصد الشريعة التي لو احترمت لما اضطهدت المسلمات، وسحبت منهن حقوقا كثيرة طوال القرون التي خلت.
يمكن أن تكون الدعوة إلى تقسيم المواريث صادمةً، خصوصا عندما تصدر عن رئيس دولة عربية مسلمة، لكن ذلك يجب ألا يحجب حجم التخلف والتهميش الذي لا تزال تعاني منه النساء في معظم الدول الإسلامية. هناك حواجز عديدة تحول دون إلغاء مظاهر التمييز بين الجنسين. وهذا هو أصل الداء الذي تكرّسه معظم المؤسسات الدينية، بما في ذلك الأزهر.
إذا كان مفتي الديار التونسية قد غير موقفه، في فترة وجيزةٍ من مسألة الإرث، بحجة أن ولي الأمر أعلم بمصالح الناس، فهل يمكن أن نفهم موقف المستشار الأزهري بأن الدافع لتصريحه هو محاولة الحيلولة دون انتقال صدمة الرئيس التونسي إلى الساحة المصرية، وداخل مجال نفوذ الرئيس عبد الفتاح السيسي. وبذلك، يكون الدافع إلى تبادل الهجوم أو التبرير سياسيا ظرفيا، في حين أن المطلوب من فقهاء اليوم إثبات استقلاليتهم السياسية تجاه الحكام، وتسخير كل الجهود لتغليب مصالح الشعوب، وتحكيم القيم الأساسية لهذا الدين.
ليست المشكلة اليوم في أن نتفق أو نختلف بشأن مسألة الميراث، بقدر ما تكمن في مدى قدرة مؤسساتنا العلمية والدينية على بناء وعي جديد لتأسيس رؤية إسلامية تقوم على الحرية والمساواة والعدالة.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس