حماية أحمد الدقامسة

حماية أحمد الدقامسة

16 مارس 2017

تحرض صهيوني واسع ضد الدقامسة

+ الخط -
(1)
يحظى القتلة الإسرائيليون اليهود الذين يريقون دماء الفلسطينيين، والعرب عموما، بتكريم استثنائي، سواء من جهاز القضاء العنصري الذي يحكم إسرائيل، أو من "العقل الجمعي" الإرهابي الذي يضبط إيقاع سلطة الاحتلال الصهيوني لفلسطين. ومع هذا، وجدنا في كيان العدو من ينتقد الإفراج "القانوني" عن الجندي الأردني أحمد الدقامسة، الذي دخل السجن شابا يافعا، وخرج منه وقد وخط الشيب فوديه، بعد أن قضى "مؤبدا" كاملا غير منقوص، بحكم محكمة دانته بقتل سبع فتيات إسرائيليات وجرح أخريات.
تحفل ذاكرتنا بعشرات القتلة اليهود الذين ارتكبوا جرائم قتل بدم بارد ولم ينالوا ولو تحقيقا جنائيا، فعمليات الإعدام الميداني للفلسطينيين تكاد تتم يوميا، فور أن يأتي فلسطيني بحركة ما، يشك قاتل صهيوني أنها مشروع عملية طعن، وعادة ما تعتبر مثل هذه العمليات الإجرامية من مقتضيات "الدفاع عن النفس"، وتطبيق "أسس الاشتباك" الميداني، ناهيك عن سجل يبدأ ولا ينتهي من إرهاب اليهود، المباشر وغير المباشر، مما لم يتوقف منذ ما يزيد على قرن، حين دنست قدم أول صهيوني غاصب أرض فلسطين الطاهرة، هذا فضلا عن عمليات إعدام الأسرى المصريين في حروب "إسرائيل" الكثيرة، مما سجله التاريخ وبأقلام مؤرخين يهود، ولم ينل مرتكبو هذه الجرائم غير النياشين والأوسمة والترقيات.
(2)
شنت وسائل إعلام العدو هجوما كاسحا على أحمد. اعتبرت قناة التلفزة العبرية الثانية، مثلا، أن "استقبال الأبطال الذي حظي به الدقامسة يدلل على حجم الكراهية التي يكنها الشعب 
الأردني لإسرائيل ومواطنيها". وقالت إن "تباهي الأردنيين بالدقامسة وفعله يدلل على البون الشاسع الذي يفصلهم عن المواقف الرسمية حيال إسرائيل والعلاقة معها". جيد إذا أن تعرفوا حقيقة مشاعر شعبنا الأردني الطيب حيال جرائمكم، وجيد أن تسمعوا نبض الشارع، المختلف كليا عما تسمعونه من مسؤولينا الذين يزورونكم، ويعقدون معكم الصفقات والاتفاقات، ويقيمون معكم الصداقات، فهؤلاء لا يمثلون شعب الأردن الطيب، ولا يمثلون حتى أفراد أسرهم. ولدينا وقائع كثيرة تثبت أن أي عمل تطبيعي مع إسرائيل كان فعلا مرذولا ومرفوضا من الضمير الجمعي الأردني، فدولة الاغتصاب والعنصرية لم تزل، في ميزان هذا الضمير، محض عدو لا يستحق الحياة، وأي علاقة معها، رسمية أو شعبية، هي علاقة مع عدو، ولن يكون جارا "حسنا"، بل لم تزل الذاكرة الأردنية الشعبية تختزن وقائع تؤكد هذه الصفة، وليس آخرها طبعا اغتيال القاضي الأردني رائد زعيتر الذي مضى على اغتياله بدم بارد ثلاث سنوات، ولم يحاكم أحد في "إسرائيل" على اغتياله، وكان في زيارة لأهله في نابلس في الضفة الغربية المحتلة.
أما قناة التلفزة العبرية العاشرة فلفت نظرها إعلان عدد كبير من النواب ومسؤولين كبار سابقين "افتخارهم" بما أقدم عليه أحمد، وقالت إن السنوات العشرين التي قضاها الدقامسة في السجن جعلته أكثر "تطرفا" (!)، وأشد تحاملا على إسرائيل، مشيرة بشكل خاص إلى دعوته إلى التخلص منها بوصفها "نفايات بشرية". ووحده الصحافي الإسرائيلي اليساري، جدعون ليفي، شذ عن حملة التحريض على أحمد، فشن حملة على النخب الصهيونية التي انتقدت ما أسمته "الحكم المخفف" الذي صدر بحق الدقامسة، مذكّرا أن مئات المستوطنين قتلوا فلسطينيين، ولم يمضوا يوما واحدا في السجن. بل اعتبر ليفي أن الانتقادات التي وجهت لأحمد، بسبب ما صدر عنه من تصريحات، تمثل "نفاقا فجا"، لأن ما قاله الدقامسة ليس أكثر خطورةً من تصريحات أعضاء التنظيمات الإرهابية اليهودية وكتاباتهم بعد الإفراج عنهم، وشتان بين من يدافع عن شرف أمته ومن يمارس الإرهاب المنظم المحمي من "دولة" الاحتلال، بل إن كل منظومة هذه "الدولة" قائمة على العنصرية والإرهاب والاغتصاب.
(3)
يبرّر حجم التحريض الكبير الذي تابعناه ضد أحمد ما طالب به النائب الأردني، خليل عطية،
بتوفير حماية أمنية له، فليس بعيدا أن تمتد إليه يد الإجرام الصهيوني، لا سمح الله، خصوصا وأن ثمة سوابق كثيرة بهذا الصدد، سجلتها أجهزة الإرهاب الصهيوني، من عمليات اغتيال أو حتى خطف.
حوكم أحمد، ونفذ الحكم عليه. ما فعله يذكرنا بما قام به سليمان محمد عبد الحميد خاطر، أحد عناصر قوات الأمن المركزي المصري الذي كان يؤدي مدة تجنيده على الحدود المصرية مع إسرائيل، عندما أصاب وقتل سبعة إسرائيليين تسللوا إلى نقطة حراسته، في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1985، تعرض لاحقاً لمحاكمة عسكرية، حكمت عليه بالأشغال المؤبدة. وفي يناير/ كانون الأول عام 1987، تم العثور عليه مشنوقاً في زنزانته، في ظروف غامضة، وبشكل طرح تساؤلات وشكوكا كثيرة. ولكن، ثمة آلاف من المجرمين الصهاينة لم يزالوا طلقاء، وتسلل بعضهم إلى حياتنا خفية، وهم يمارسون عربدتهم ويرتكبون جرائمهم تحت حماية رسمية من دولة الإرهاب التي تمارس إرهابها الممأسس بحمايةٍ دوليةٍ مطلقة، وما فعله أحمد لم يكن إلا التعبير الفظ عن أن العرب لم يزالوا في حالة عداء مطلق مع من اغتصب الأرض، وأقام دولة عدوان وعنصرية، على الرغم من كل تلك العلاقات العلنية والسرية التي يقيمها الرسميون العرب معها.

دلالات