يحدثونك عن الواقعية السياسية

يحدثونك عن الواقعية السياسية

05 ديسمبر 2017
+ الخط -
لم يفاجأ بعضهم عندما بدأ الحديث أول مرة عن مبدأ الواقعية السياسية من عرّابي المسرح السوري الذين طالبوا السوريين، بمن فيهم المعارضة بتبني الواقعية السياسية، وعدم تبني أفكار تحمل في طياتها الغلو والتطرّف في طلبات غير منطقية، وخصوصا العناد والإصرارعلى رحيل الأسد، إذ هذا الطلب بعيد كل البعد عن الواقع السوري.
دفع الغرب هذه الرؤية نحو الأمام، بغية إيصالها إلى مرحلة النضج السياسي، حتى تم تكريسها على أيدي العملاء والوكلاء من فصائل أستانة ووحدات حماية الشعب وفصائل درع الفرات الذين ساهموا، بشكل أو بآخر، في تعزيز هذا الطرح عبر تسليم المناطق رويداً رويداً للنظام.
وأصبحت منصتا القاهرة وموسكو المتصدر الرئيس لوفد المعارضة، بعد أن نجحت السعودية والإمارت باستبعاد وفد الهيئة العليا للمفاوضات، بعدم دعوتهم إلى مؤتمر الرياض 2. ومن بقي داخل الوفد الجديد، لن تكون له اليد الطولى أمام شخصيات تحسب نفسها معارضة، إذ تقاسمت المقاعد محاصصة فيما بينها، ليخرجوا علينا بوفد منكه ومطعم، تشوبه الخلافات من كل جانب، وانشقاقات واختلافات لا تُفضي إلى توافقاتٍ، بل صدّرت لنا انطباع السعي الدؤوب وراء شهوة المال والسلطة والتسلط على حساب ثوابت ثورة السوريين بحدها الأدنى، أي رحيل الأسد، قبل أي حديث عن أي مفاوضات.
في الأمس القريب، خرج علينا وفد المعارضة الجديد بصورته النهائية بوفده التفاوضي، برئاسة نصر الحريري، على اعتبار أن هذا الوفد سيفاوض النظام بجولة جنيف. كانت كل العيون السورية ساهرة تنتظر لمعرفة ماهية الوفد الجديد الذي سيحمل على عاتقه مسؤولية التفاوض مع النظام ويحقق لهم مطالبهم ويصون كرامتهم ولا يفرط بثوابتهم على رأسها رحيل الأسد، وتحقيق الانتقال السياسي والمرحلة الانتقالية بالاستناد لمرجعية قرارات مجلس الأمن 2245 للخروج بسورية من عنق الزجاجة إلى إشراقة شمس الحرية والديمقراطية بدولة مدنية تعددية تسمح بالعيش المشترك من جديد.
خرج نصرالحريري عقب تشكيل الوفد المفاوض، وعلى يساره جمال سليمان، وعلى يمينه خالد المحاميد، يليه علاء عرفات رجل موسكو الثاني بعد قدري جميل. حقيقةً ليس الظهور هو الذي آثار دهشة السوريين، إنما المهزلة بما تفوه به علاء عرفات بكلمات ما أنزل الله بها من سلطان، إذ نطق بكلمات ناقض بها كلام رئيس الوفد وتحفظ على رحيل الأسد، وأضاف "نحن كمنصة موسكو سنذهب إلى سوتشي"، ومدح مسار أستانة، وكرس المديح والثناء للجهود الروسية، وختم كلامه حرفياً بمقولة "نحن الآن وفد موّحّد وليس وفد واحد".
وليس هذا فقط، فبعد يوم من المؤتمرالصحفي لوفد المعارضة، أطل علينا جمال سليمان، وتصدر وسائل الإعلام وقدم لنا دروساً في مبدأ الوقعية السياسية وعلم التفاوض وكيفية التعامل مع المجتمع الدولي وقرارت مجلس الأمن، وعندما تعرض لسؤال مباشرعن رحيل الأسد، لم يتهرب من الإجابة، وقال لا وجود لرحيل الأسد في كل القرارات الدولية، مضيفاً كل شيء قابل للتفاوض.
إذاً يستند جمال سليمان إلى صدقية مجلس الأمن وقراراته، متناسياً أن هذا المجلس هو نفسه الذي سمح لروسيا أن تستخدم إحدى عشرة مرة حق النقض لمنع محاسبة الأسد أو إيقافه عن جرائمه الكيماوية. مجلس الأمن وقراراته هي أصدق وهي جوهر وينبوع الواقعية السياسية، أما المجازر التي تحدث في سوريا، وتشريد أكثر من نصف الشعب السوري، ومليون شهيد وإعلان احتضار الغوطة الشرقية، واكتظاظ أقبية النظام بالسوريين، هذه أمور أتفه وأسخف وبعيدة كل البعد عن الواقعية السياسية.
تمسك بيان مؤتمر الرياض 2 برحيل الأسد مع بداية المرحلة الانتقالية، وتم التوافق على الذهاب إلى مفاوضات مباشرة مع النظام على أساس الحديث عن المرحلة الانتقالية، بالاستناد إلى مرجعية قرارات مجلس الأمن الدولية، مع استثناء الحديث عن الدستور، الذي هو من حق الشعب السوري أن يصوغ دستوره، لكن مبعوث الأمم المتحدة، دي ميستورا، وضع جدول أعمال جولة جنيف وأعرب أن صوغ دستور جديد والانتخابات هي جدول محادثات الجولة الثامنة.
عدا عن التناقض السابق، هناك الخلافات الجّمة داخل الوفد الموحد، ما يعني أنه وقعنا في الفخ بتوجيه وإيعازدولي، فمن نصدق وفد المعارضة الملغوم بشخصيات أميل إلى بقاء الأسد أم نصدق واقعية دي ميستورا وبوتين، عندما قال من باب الواقعية أنّ على الجميع التنازل بما فيهم النظام السوري، وأي رحيل الأسد مطلب أصبح من ضرب الخيال، فعلى ماذا ستفاوضون النظام؟ وكيف ستفاوضون على رحيله، ومنكم من يتحفظ على رحيل الأسد؟ ناهيكم أن النظام في أحسن حالاته بحسب وجهة نظر حلفائه روسيا وإيران! إذا، عن أي واقعية تتحدثون وهل بقي شيء بحوزتكم لتفاوضوا عليه؟
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
يمان دابقي (سورية)
يمان دابقي (سورية)