تبّاً لكم

تبّاً لكم

04 ديسمبر 2017
+ الخط -
هذه إدارة مخزية. بلطجية. تريد مزيداً من "شفط" ثروات العالم، من دون أن تقدّم شيئاً للعالم. أعني إدارة دونالد ترامب.
نحن أمام إدارةٍ يتكشف وجهها الأرعن، غير الأخلاقي، يوماً بعد يوم. وفيما تلقى ازدراءً في غير مكان في العالم، تجد عندنا "كرماً" عربياً منقطع النظير. تُفْتَح لها الأراضي والأجواء والخزائن.. والقلوب. ويتقاطر إليها العرب المتصارعون لحل صراعاتٍ هي سببها. لا توجد منطقة في العالم ترتمي على أعتاب إدارةٍ عنصريةٍ، عديمة المسؤولية الأخلاقية، كما تفعل منطقتنا.
يصعب تعداد مخازي هذه الإدارة التي تدير شؤون العالم بالتغريدات الضحلة، والعنصرية على السواء: لكن دعونا نرى مآثرها عالمياً. تنسحب من اتفاقية باريس للمناخ (المسؤولة عن سلامة الأرض المسكينة التي نعيش عليها). تنسحب من "يونسكو" لإرضاء ربيبتها إسرائيل، في أكثر أطوارها يمينيةً وتطرّفاً. توافق على اتفاقية نيويورك الدولية للهجرة، ثم تنسحب منها، وتقول إنها تتناقض مع القوانين الأميركية في خصوص اللاجئين، ونكبات الشعوب التي لها ضلع رئيس فيها، إن لم تكن سببها. ترى العالم من زاوية مصالح رجل الأعمال الضيقة، فلا تتدخل، في أي صراع، ما لم تكن المصلحة الأميركية فيه صافية. تصمت عن جرائم الأنظمة وانتهاكاتها حقوق الإنسان تحت النظرة المحدِّقة لتمثال الحرية وما يرمز إليه.
ماذا بعد من "مآثر"؟ آه، نعم. اعتزامها نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، في مخالفةٍ فظّةٍ للقرارات الدولية التي صوَّتت عليها، باعتبار القدس جزءا من أرض محتلة، الأمر الذي ظلت تلتزمه الإدارات الأميركية السابقة، حتى أكثرها غراماً بإسرائيل. لكن ألا يهدّد، نقل السفارة الأميركية إلى القدس، باعتبارها عاصمة "أبدية" لإسرائيل، المصالح الأميركية عندنا؟
كلا. لا يهدّد. فعندما كان هذا الأمر يهدِّد المصالح الأميركية لم تفعل. لكنه الآن، وسط الانبطاح العربي التام على عتبة البيت الأبيض، لا يهدّد المصالح الأميركية. لم تعد أميركا، في الطور الترامبي، تطلب مصلحةً. فهذه تُقدّم لها قبل أن تطلبها، بل يذهب بعضنا إلى إغراقها بالمليارات شراءً لصمتها.. صمتها فقط. لقد اتخمت معدة ترامب بمئات المليارات. وها هي ملياراتنا تنعش الاقتصاد الأميركي، وتدفع هذا الرئيس "البيّاع" إلى عرض "هدايانا" له، كما لو كان في بازار. مليارات. يغرّد هذا الطائر المشؤوم، بعد زيارته "التاريخية" إلى السعودية وسوق "القادة" العرب للمثول أمامه: عدت إليكم بمئات المليارات من الدولارات من الشرق الأوسط، والتي ستعني مزيدا من الوظائف.
الوظائف، الوظائف"!
فإذا كانت المليارات سهلةً إلى هذا الحد، فلِمَ يبذل فيها جهداً؟ لِمَ يقدِّم مقابلاً لها؟ قصارى ما يفعله، على هذا الصعيد، إشاحة وجهه عن جرائم العرب ضد العرب. حتى إيران التي يشتري عرب المليارات وقوفها إلى جانبهم في مواجهتها، لم، ولن، تحرّك ساكناً ضدها. إيران التي تركها عرب المليارات تقضم أكبر بلدين في العالم العربي، وتعشّش في النسيج الاجتماعي والثقافي العربي، ليست لقمةً سائغة مثلهم. لدى إيران مشروع. وهو، في صورته الراهنة، توسعيٌّ وعدواني. مثال العراق وسورية يصعب نسيانه. لقد أسهم المشروع الإيراني، وأنا أتحدث عن نظام إيران الديني، وليس شعوب إيران المغلوب على أمرها مثل شعوبنا، في تدمير ركنيْ المشرق العربي، عبر أسوأ منفذ: الطائفية. هذه هي ركيزة إيران وأداتها. وما كانت ستنجح هذه الأداة، لو لم تكن دول المشرق العربي (بل وأقطار الخليج) قمعيةً ومعاديةً لأبسط حريات شعوبها. لو كانت هناك مواطنة حقيقية في بلادنا ما بقيت قضيتا الطائفية والعرقية نافذةً لرياح التدخلات الخارجية.
غداً، أو في أيام مقبلة، ستقرّر إدارة ترامب نقل سفارتها إلى القدس. فماذا العرب فاعلون؟ لا شيء على الأغلب. ربما استنكارات. تعبيرات، كاذبة، عن خيبة الأمل. لا أكثر. فلم تعد القضية الفلسطينية، وفي قلبها مدينة القدس، أولويةً عربيةً لدى أنظمتنا، حتى أكثرها تشدّقاً بالقدس والمقدسات. ويزيد الأمر سوءاً الانقسام الفلسطيني، على المصالح، وليس على القضية وطرق تحريرها. بؤس عربي على بؤس رسمي فلسطيني: الحاصل صفر. أما الشعوب التي عليها التعويل فقد أنهكتها الحروب الداخلية والتمزّقات الطائفية. لا فكرة قائدة. لا برنامج، مما هو موجود، في وسعه رفع راية نهوض.. حتى الآن.
لكن، من يدري ما تحبل به هذه الأرض التي سال فيها دمٌ أكثر مما هطلت عليها أمطار.
E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن