غروب

غروب

17 أكتوبر 2017
+ الخط -
الوقت أصيل، والشمس تدنو إلى الغروب وتوّدع الكون في هدوء، لونها مصفَرٌ كإصفرار وجه المحزون، تأفل في خمول إلى خِدر أمها مرسلة أشعتها الذهبية على روض الحقل كآخر آهة من جوف موجوع، ونسيمات الغروب تداعب الزهر في براءة.
وهذه النخلات الشامخات لم تكل من الوقوف يوماً، ولم تبخل على أهلها الطيبين، تظللهم نهاراً وتُنْسمهم ليلاً، اعتدال الجو ولطفه لا ينسيك روعة المنظر، وعبيق الزهر المتفتح ابتساماً لكرم هذه الجداول التي أرضعته حناناً يجبرك على معاودة الشهيق. الخضرة تكسو الأرض، وزغزغة الطيور وهي تجوب الفضاء فرحاً وتطرب الأسماع معانِقةً الآذان، مشهدٌ أخر يريح النفس. عجباً لهذه الطيور! ألا تأنف من السمو!، أتراها لأنها عاشت طفولتها وأوكارها على جريد النخل السامق واقتاتت من رُطبه وعجوه في مرحٍ وخيلاء؟
إنه سِحر الطبيعة، يجدّد في النفس الأمل ويريح البال. كم أذكر وأنا طفل تلك النخلة التي تتوسط تلك اللوحة الجمالية البديعة وحولها أترابها، فأجني من ثمار أترابها ما يسدّ رمقي، لا أفكر في أخذ شيء منه معي لأني سأعود له صباحاً وأجنيه رطباً يانعاً. لكن هذه الأتراب كبرت اليوم وكبرت أنا، ولم تنقطع صلتي بها، لكن لا أستطيع الوصول لثمارها، حرمني منها طولها وقوام عودها. لا أنسى لعبي بالطين وأنا أتفيّأُ ظلها الوارف، وعند رجوعي آخذ بعض الزهر في يدي وأرمي به على الطريق وأنا راجعٌ للبيت البسيط، بساطة أهلي الذين أحبوا تلك الأرض وأحبتهم، ارتبطوا بها أحياءً بفلاحتها وأمواتاً بأضرحتها، عاشوا كراماً لا يتكلفون، وماتوا شُرفاء متعففون.
ما أجمل الأصيل؟ وما أعجب مرأى النيل يثور وتتلاطم أمواجه في عنف، هذا هو الغروب في حلّته البديعة.
6397A895-D6E7-4F34-AF1B-0ED59CC60F53
6397A895-D6E7-4F34-AF1B-0ED59CC60F53
مصعب محجوب الماجدي (السودان)
مصعب محجوب الماجدي (السودان)