هل تسحب واشنطن ثقتها في تونس؟

هل تسحب واشنطن ثقتها في تونس؟

17 أكتوبر 2017
+ الخط -
عاد، أخيرا، صديق لي تربطه علاقات وثيقة بأوساط قريبة من صانعي القرار في واشنطن، من هناك، وفي أعماقه إحساس بالقلق. فوجئ بتغير طارئ في موقف بعض الأوساط الفاعلة تجاه ما يجري في تونس. هناك بداية شك بشأن قدرة النخب التونسية على إنجاح الانتقال الديمقراطي.
يصعب الحديث حاليا عن وجود تغيير فعلي في سياسة الولايات المتحدة تجاه تونس، حيث لم يطرأ أي تعديل على نسق التعاون بين البلدين، كما لم يسجل أي تصريح رسمي، ينم عن نية البيت الأبيض في التخلي قريبا عن دعم هذه التجربة. مع ذلك، يمكن أن تتحول هذه الشكوك التي بدأت تتسرب، في لحظةٍ ما، إلى يقين، ثم إلى تفكيرٍ في وضع سيناريوهات بديلة عن السياسة الحالية. ومن هناك، يبدأ الشروع في البحث عن أشخاص ومجموعات قد تصلح لتكون بدائل جاهزة، يتم الاعتماد عليها مستقبلا، خصوصا في ظل رئاسة دونالد ترامب.
هذا الاحتمال قابل لكي يتعزّز، إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فسبر الآراء الذي أنجزه المعهد الجمهوري الأميركي الدولي خلال شهر أغسطس/ آب الماضي، وصدرت نتائجه في سبتمبر/ أيلول، من شأنه أن يعزّز هذه الشكوك ويدعمها. كشفت نتائجه أن 83 % من المستجوبين سيكونون من المقاطعين للانتخابات البلدية المقبلة أو من المترددين. وبالرجوع إلى استطلاعات سابقة، يلاحظ أن هذه النسبة ارتفعت، مقارنة بشهر إبريل/ نيسان 2017 إلى 23% و35%، مقارنة بما كانت عليه خلال ديسمبر/ كانون الأول 2016. وهذا يعني أن معضلة العزوف عن المشاركة في الانتخابات تتراجع بنسق سريع.
أما المؤشر الآخر الذي لا يقل إزعاجا وإثارة يتمثل في أن كلا من حزبي نداء تونس وحركة النهضة اللذين يتصدران قائمة الأحزاب المزمع التصويت لها لن يحصلا إلا نسبة لن تزيد على 3% فقط، وهذا يعني أن ثقة التونسيين في الأحزاب بلغت في وقت وجيز درجة متدنية قياسية.
أما أخطر النتائج التي لفتت النظر، وصدمت المراقبين، فتمثل في أن 65% من التونسيين أكدوا أنهم يعطون الأولوية للاقتصاد على الديمقراطية. أي أن إيمان التونسي بأهمية تحسين مؤشر الحريات وحقوق الإنسان تراجع بشكل ملحوظ، نظرا إلى تدهور حالته الاقتصادية والاجتماعية. وهذا يعني أيضا أن الطبقة الوسطى التي تضرّرت كثيرا خلال السنوات الأخيرة تراجع إيمانها بأن الديمقراطية السياسية يمكن أن تمثل الرافعة لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية دائمة، في حين أن الطبقة الوسطى هي القاعدة الأكثر صلابةً لحماية الانتقال السياسي، وبناء ديمقراطية قابلة للحياة والاستمرار.
يضاف إلى ذلك أن قانون المصالحة الإدارية لم يلق استحسانا في واشنطن. كما أن محللين أميركيين مختصين في الشأن التونسي اعتبرواعودة بعض وزراء حقبة بن علي إلى الحكومة مؤشرا سلبيا.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الرأي العام المحلي يراد له أن يتهيأ للقبول بما يروجه بعضهم عن العودة إلى مقايضة الحرية بالأمن والاقتصاد التي كان يبرّر بها بن علي شرعية حكمه.
يكاد خبراء الاقتصاد، من ذوي المصداقية، يجمعون على أن سنة 2018 ستكون شحيحة، وأكثر إيلاما للشعب التونسي، بمختلف فئاته وشرائحه. مع ذلك، لا يزال الجدل بشأن مشروع الميزانية الجديد يغلب عليه التوتر، وتبادل الاتهامات بين مكونات المشهد السياسي والاجتماعي، في غياب رؤية إصلاحية متكاملة، وقائمة على تحليل موضوعي، ووعود جدية قابلة للتنفيذ، وضامنة لإنعاش الدورة الاقتصادية بشكل مؤكد، وحامل آمال هذا الشعب القلق والحائر.
لم تصل تونس إلى نقطة الصفر، فالآمال لا تزال معقودة على إمكانية التغلب على هذه الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تهدد بنسف التجربة. لكن إلى جانب أهمية الدعم الدولي، تتحمل الأطراف الاجتماعية والأحزاب والمجتمع المدني المسؤولية الرئيسية في الحيلولة دون أن تصاب تونس بالسكتة القلبية. لأنه في حال حصول ذلك سيندم الجميع على إضاعة هذه الفرصة التاريخية.