عن احتجاجات الريف المغربي

عن احتجاجات الريف المغربي

10 يناير 2017
+ الخط -
لم يكن عدم قمع الاحتجاجات في المغرب التي جاءت على هامش مقتل بائع السمك محسن فكري احتراماً من السلطة للمتضامنين، ولا ندماً على قتل فكري، بل من الوسائل الساعية إلى كبح جماح الغضب، وقد أكدت الأحداث التي تلت الواقعة ذلك، فبعد مرور أزيد من شهرين على الحادثة، تتدخل القوات العمومية بالعنف لفض اعتصام في ساحة الشهداء وسط مدينة الحسيمة، لكن الأسئلة التي تطرح نفسها، ووراء كل حدث، من هذا القبيل: لماذا جاء التدخل في هذا الوقت بالذات؟ ولم لم يحدث قبل الآن؟ وماذا بعد؟
الأسباب التي جعلت من التدخل لقمع الأشكال التضامنية بعد مقتل محسن فكري مستبعدة، هي أنّ الحادثة ذات صبغة إنسانية بحتة، وموثقة بالفيديو، ما لا يدع مجالاً للشك، بمعنى أنها تمثل أرضية "خصبة" لنمو جبهةٍ توّحد كلّ التوجهات السياسية وكلّ أبناء الشعب، وهذا كاف ليجعل السلطات تكتفي بالمشاهدة وحسب.
تغاضت الدولة عن المحتجين، وتركتهم يعبرون عن تضامنهم من دون أن تتدخل، ولكنهم تجاوزوا حدودهم! مع الأسف الشديد، هذا الكلام يتداوله بعضهم، وهو أشبه ما يكون بمقولة إنّ السوريين هم من أرادوا دمار بلادهم، بعد أن ثاروا على الأسد.
لا يعني عدم التدخل لفض اعتصام أو شكل احتجاجي في المغرب أبداً احترام الدولة حق المواطنين في التظاهر، والأمثلة أكبر من أن تعد، بل يدخل هذا في سياقاتٍ أخرى يعيها المخزن جيداً، والتدخل في الحسيمة يأتي؛ بعد أن تساقط المتضامنون واحداً تلو الأخر، وعاد أبناء الشعب إلى بيوتهم، وتشتّت من يمكن تشتيتهم، فذهبت ريحهم، وتأكد المخزن أنّ الملف المطلبي الاجتماعي الذي تمّ تسطيره لا يناضل لأجله إلا القلّة القليلة، وأنّ المتضامنين مع محسن فكري (القضية الإنسانية) قد عادوا إلى بيوتهم، فتدخل في مدينة الناظور بطريقة غير مباشرة بإرساله "بلطجية" بالسيوف، وتدخل في ساعات الصباح الأولى من يوم 05 يناير/ تشرين الثاني الجاري بطريقة مباشرة بفض اعتصام ساحة الشهداء في الحسيمة، ويمكن توّقع تدخل آخر بعد أن تمت قوقعة المحتجين في الزاوية، لكن في حالة التفاف الفعاليات الأخرى رفقة المواطنين، فستركن من جديد السلطات إلى الزاوية منتظرة الفرصة المواتية.
بعد حوالي شهر من مقتل محسن فكري، بدأت محاصرة المحتجين، أولاً عبر المصطلحات، فتمّ استبدال الألفاظ التي تدل على العامة؛ أبناء الشعب، الجماهير الشعبية... بألفاظ أخرى تحيل إلى الخاصة؛ "نشطاء الحراك الشعبي في الريف"، أيّ مجرد نشطاء معدودين، وللإعلام دور مهم جداً. وطبعاً بعد أن شاع في وسائله تفشى في الميدان وتحوّل المحتجون إلى نشطاء.
والمعروف أنّ الأشكال التضامنية مع القضايا الإنسانية تشهد التفافاً جماهيرياً كبيراً، إلا أنّهم، وكما يجتمعون بسرعة، يعودون إلى بيوتهم بسرعة، وهذا يعلمه المخزن جيداً، فردود الأفعال لا تدوم طويلاً. ومهما طالت، سيتقلص عدد المتظاهرين ليبقى "النشطاء"، ويتم تكميم أفواههم.
B0CB5C84-828A-46C8-BC25-5C024AFBC08E
B0CB5C84-828A-46C8-BC25-5C024AFBC08E
شفيق عنوري (المغرب)
شفيق عنوري (المغرب)