عقبات مواجهة الإرهاب في الخليج

عقبات مواجهة الإرهاب في الخليج

13 يوليو 2016

في موقع تفجير قرب المسجد النبوي (4 يوليو/2016/Getty)

+ الخط -
حقّقت دول الخليج العربي، ولا سيما السعودية، نجاحاتٍ أمنيةً في ملاحقة الإرهاب، منذ مواجهات تنظيم القاعدة، قبل 13 عاماً. ويمكن الاستدلال على هذه النجاحات في السعودية، في عدة ملامح: أولها، القضاء على خلايا تنظيم القاعدة بعد مواجهات 2003 و2006 الدامية. وثانيها، عدم حدوث أي عمليات كبرى منذ ذلك الحين، حتى أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عمد إلى أهدافٍ "رخوة"، لعملياته، في السنوات الثلاث الأخيرة، لأماكن منتقاة واستراتيجية، على غرار هجمات القاعدة. الملمح الثالث المهم، مع عمليات "داعش" الأخيرة في السعودية، يتمثل في القبض على كل العناصر التي ارتكبت عمليات اغتيال لأقاربها، وقامت بتصوير "مبايعتها" لـ "خليفة" تنظيم داعش، أبو بكر البغدادي، توازياً مع إحباط عمليات أخرى قبل حدوثها. والأهم رابعا، عجز "داعش" عن زراعة خلايا مهمة في الخليج، واستخدام استراتيجيات "الذئاب المنفردة" التي لا تتضمن صلة تنظيمية بين العنصر الإرهابي والتنظيم الأم، بالإضافة إلى أن قدراتها التدميرية محدودة، بعكس العمليات التي قام بها التنظيم في أوروبا، بالاستراتيجية نفسها.
شهدت السعودية والكويت والبحرين هجماتٍ إرهابية، إن كانت بتوقيع تنظيم الدولة الإسلامية أو خلايا مرتبطة بإيران وحرسها الثوري. لكن هذه الهجمات لم تؤثر، بشكل عام، على نمط الحياة اليومية في الخليج، وهذا إيجابي واستثنائي، إلا أن لمواجهة الإرهاب أمنيا، تكلفة أخرى، على المدى الطويل، إذا لم تكن تلك المواجهات مسنودةً بعمل مؤسسي، يضمن عدل الإجراءات القانونية المتخذة في حق المتهمين، وتنفيذ سريع للأحكام الصادرة بحقهم، وضمانات على استقلال القضاء، وشفافية الإجراءات، بالإضافة إلى عدم تأثير هذه العمليات على الأوضاع السياسية، خصوصاً في الكويت والبحرين اللتين تسمحان، نسبياً، بمشاركة شعبية في الشأن العام.
النجاحات الأمنية في مواجهة الإرهاب، بحاجة لمساندتها بإصلاحاتٍ واسعةٍ في الآليات القانونية، لترسيخها، وضمان استدامتها، فمن المهم إتاحة المجال لمؤسسات المجتمع المدني، ومؤسسات حقوق الإنسان، لمتابعة الإجراءات القانونية بشفافية، وضمان استقلال القضاء، وإتاحة أقصى درجات الشفافية في عمليات التقاضي، لضمان استدامة النجاحات الأمنية، وألا تتحوّل لنجاحات يتيمة، في جو خانق، قد يسبّب مزيداً من التطرف، ويؤدي مستقبلاً إلى موجات تطرّف جديدة.
أثبتت التجربتان المصرية والجزائرية، في مواجهة الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي، أن الوعد الوحيد لمواجهة التطرف، عبر تكديس المشتبه بهم والمتهمين في السجون، هو إيجاد مزيد من التطرّف والتشدّد، داخل المعتقلات هذه المرة.
إشكالية أخرى، قانونية وإعلامية، تظهر في الكويت خصوصاً، وتكرّرت مع إعلان وزارة الداخلية الكويتية عن إحباط مخططاتٍ إرهابية، الأسبوع الماضي، تتعلق بمسألة التشهير بالمشتبه بهم.
تعمد السلطات الأمنية الكويتية إلى نشر أسماء وصور المشتبه بارتكابهم جرائم إرهابية، قبل أن يبتّ القضاء في الاتهامات الموجهة إليهم، بعد الاكتفاء بتحقيقات الجهات الأمنية، وما تراه النيابة العامة. وتكرّر أن يتم التشهير بالمشتبه بهم، ثم يحكم القضاء ببراءتهم، بعد أن يكون التشهير قد أخذ مداه، وأثر في حياتهم إلى الأبد.
ولم يكن هذا السيناريو متخيلاً ومفترضاً، بل حدث فعلاً، وفي قضية شهيرة وقريبة. ففي قضية الاعتداء الإرهابي على مسجد الإمام الصادق، وبعد التشهير الإعلامي بالمتهمين، حكمت محكمة الاستئناف ببراءة 14 من المشتبه بهم. لكنّ أحداً لم يناقش التكلفة الاجتماعية التي دفعها هؤلاء، بسبب التشهير ببعضهم إعلامياً، وعبر وكالة الأنباء الرسمية، وفي بيانات مصدرها السلطات الأمنية نفسها.
يظن بعضهم أن هذه الإجراءات "شكلية"، وأن بعض التجاوزات متفهمة، في سياق دفع ضررٍ أكبر، متمثلٍ بالإرهاب، وإسالة دماء الأبرياء. لكن هذه الرؤية يمكن نقضها من جهتين: أن هدف هذه الإجراءات تحقيق العدل بصورة أكبر، والذي يمكن اعتباره أحد سبل مواجهة الإرهاب أيضاً، فلا تتناقض هذه الضمانات مع النجاحات الأمنية، بل تعزّزها. الأمر الآخر، أن حماية أرواح الأبرياء لن يتم بظلم أبرياء آخرين، بداعي الاشتباه بهم.
424F7B7C-113B-40E9-B0BD-EFA3B6791EB5
بدر الراشد

كاتب وصحافي سعودي