انفجار بيروت... أي رسالة؟

انفجار بيروت... أي رسالة؟

14 يونيو 2016

آثار الانفجار في "بنك لبنان والمهجر" في بيروت (12/6/2016/أ.ف.ب)

+ الخط -
على غير عادة الانفجارات التي شهدها لبنان، في السنوات الخمس الماضية، والتي كانت تستهدف الأمن الاجتماعي، أو تدخل في إطار الاغتيال السياسي، أو في إطار الفعل ورد الفعل على الأحداث والتطورات في البلد والإقليم، جاء انفجار يوم الأحد (12/6/2016) مختلفاً لجهة التوقيت، والرسالة، والدور، والمكان، والجهة المستهدفة. فلا ضحايا سقطوا في هذا الانفجار سوى شخصين أصيبا بجروح طفيفة، جرّاء تناثر الزجاج في محيط الانفجار، ما يعود إلى أن الوقت الذي اختير هو توقيت لحظة الإفطار في بيروت، حيث معظم الناس في منازلهم، ومساء يوم الأحد، وهو يوم عطلة في لبنان. أما لجهة المكان فهو ليس في شارع رئيسي يزدحم بالناس عادة في مثل هذا الوقت، وإنْ يبعد عن وزارة الداخلية اللبنانية قرابة ثلاثمائة متر. أما الجهة التي استهدفها الانفجار، هذه المرة، فليست شخصية سياسية، حتى يتم إدخاله ضمن محاولات الاغتيال السياسي، ولا مدنيين عاديين حتى يتم إدخاله في إطار رد الفعل على مجريات الأمور والأحداث في المنطقة، ولا شخصية أمنية أو عسكرية، حتى يتم القول إنه يأتي رداً على ممارسات معيّنةٍ بحق موقوفين أو مطلوبين.
استهدف الانفجار، هذه المرة، بنك لبنان والمهجر، وهو من المصارف الرئيسية في لبنان، وقد ذكرت الأجهزة الأمنية اللبنانية أن العبوّة التي كانت في محفظةٍ ركنت إلى جانب جدار المصرف، حيث الإدارة العامة للبنك. وقالت المصادر الأمنية إن عصف العبوّة كان متجهاً نحو داخل البنك، ما يعني أن الهدف هو مبنى البنك. وقالت الأجهزة الأمنية، أيضاً، إن زنة العبوّة ما بين عشرة إلى خمسة عشر كيلوغراماً من المواد المتفجرة. إذًا، القضية ليست اغتيالاً، ولا قتلاً لمدنيين، وإنما تدخل في إطار رسالةٍ أراد بعضهم إرسالها في هذا الوقت، وبهذه الطريقة، فما هي يا ترى؟ وماذا بعدها؟

لا بدّ من التذكير أن القطاع المصرفي في لبنان يعيش حالة من الضغط والضغط المضاد جرّاء العقوبات التي أقرتها القوانين الأميركية على أفرادٍ وشخصيات في حزب الله، ورفْض الحزب هذه العقوبات، وهو ما جعل المصارف في لبنان تعيش بين مطرقة العقوبات الأميركية وسندان رفض حزب الله. وقد حاولت المصارف من الحوار المباشر وغير المباشر مع الحزب، أو مع المستهدفين بالعقوبات، التوصل إلى صيغةٍ تجنّب لبنان خسارة دوره وموقعه في النظام المصرفي الدولي. ومن ناحيةٍ ثانيةٍ، لا تحرج الحزب من خلال التزام المصارف بهذه العقوبات، إلا أن الأمور لم تصل إلى جامعٍ مشترك بين الطرفين، بالنظر إلى حجم الضغط الأميركي والدولي على المصارف، ولرفض الحزب هذه العقوبات، واعتبار الرضوخ لها نوعاً من الحرب المفتوحة عليه، وهو ما عبّر عنه بيان كتلة الوفاء للمقاومة الذي نظر إلى موقف حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، بعين الريبة والشك.
والمعروف أن الاقتصاد هو الرئة التي تتنفس منها كل القوى السياسية، ومنها حزب الله، وبالتالي، شعر الحزب بالحرج جرّاء هذه العقوبات، مع أن الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، أعلن مراتٍ أن حزبه لا يملك أرصدة وحسابات في المصارف اللبنانية. كما أن ذلك لا يعني أن الحزب يقف خلف هذا الانفجار، وإن كان قد أقدم على خطواتٍ سابقةٍ لا تقل خطورة عما جرى، الأحد، جرّاء شعوره بالاستهداف، مرة يوم تعرّضت شبكة الاتصالات الخاصة به للاستهداف في عام 2008، وأخرى يوم كاد الثوار السوريون يسقطون نظام الرئيس بشار الأسد في سورية. إلا أنه قد يكون هناك طابور ثالث دخل على خط الحوار بين الحزب والمصرف المركزي، من أجل إفساد الحوار وإلصاق التهمة بالحزب، من أجل مزيد من التضييق عليه في هذه الظروف والأوضاع الحرجة. ويمكن، بالطبع، أن تتبدد كل هذه الشكوك، بالتحريات والتحقيقات التي قد تكشف الحقيقة في الأيام المقبلة.
والتداعيات التي يمكن أن تنتج عن هذا الانفجار مرتبطة، بشكل كامل، بالسبب الذي دفع صاحبه إلى تنفيذه؛ فإذا كان يدخل في إطار المواجهة المفتوحة مع العقوبات الأميركية، فذلك سيعني أن المصارف إما أن تلجأ إلى الرضوخ للضغوط الأميركية، ما يعني أن القطاع المصرفي قد يتعرّض لمزيد من الضغط والاستهداف "وعمليات التخريب"، وبالتالي الانسحاب من البلد، وهو ما يترك نتائج وخيمةً على الاقتصاد اللبناني، أو أن تلجأ بدافع الخوف والهواجس إلى عدم الرضوخ إلى العقوبات الأميركية، ما يعني رفع هذه المصارف من قائمة النظام المصرفي الدولي. وبالتالي، يعني تعرّضها لخسائر فادحة، يكون الاقتصاد اللبناني أيضاً ضحيتها الأولى، أو أن تلجأ إلى طريقةٍ ثالثةٍ، تحاول فيها أن توائم بين الأمرين. وهنا، قد تلجأ المصارف إلى حربٍ ناعمةٍ، من خلال التضحية بالقيمة الشرائية لليرة اللبنانية، من قبيل الضغط الداخلي على الذين يستهدفونها. وهنا أيضاً سيكون المواطن اللبناني أولى ضحاياها. وفي كل هذه الحالات، سيكون الاقتصاد اللبناني المستهدف والضحية، وهو ما يمكن أن يجعل الاستقرار اللبناني في مهب الريح، خصوصاً في ظل الشغور الرئاسي، والتعطيل الحكومي، والشلل النيابي.