مبادرة عربية بغلاف إسرائيلي

مبادرة عربية بغلاف إسرائيلي

27 مايو 2016
+ الخط -
فجأةً، وبدون مقدمات، وجه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، دعوته إلى أطراف الانقسام الفلسطيني، طالبهم فيها بالحضور إلى القاهرة من أجل توحيد صفوفهم. استعدادات القاهرة لاستقبال طرفي الانقسام، نهاية الشهر الجاري، للخروج من حالة الجمود السياسي الذي أصاب القضية الفلسطينية بالشلل، تخللها نصيحة غير مسبوقة، وجهها الرئيس المصري للأحزاب الاسرائيلية، طالبها بالتوحد من أجل الوصول إلى حل للصراع العربي الاسرائيلي.
قوبلت دعوات السيسي بترحيب كل الأطراف، فما كان من القاهرة إلا أن أطلقت مبادرةً جديدةً، بعد ساعات قليلة لإعادة إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، عبر لقاء ثلاثيٍّ، من المُقرر أن يجمع السيسي برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتيناهو، نهاية الشهر الجاري، وهو ما قُوبل بترحيب فلسطيني وصهيوني. وعليه توجهت أفيفا راز شيختار، مديرة إدارة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية، على رأس وفد زار القاهرة.
تحدث بعضهم عن مبادرة القاهرة، وأرجعها الى محاولة العاصمة المصرية استعادة دورها المفقود في الشرق الأوسط، لكن هذا التحليل لم يأخذ بالاعتبار طبيعة العلاقة بين النظام المصري والحكومة الإسرائيلية، فالأخيرة بذلت كل الجهود لتمكين النظام المصري، وكانت حريصةً على تغيير تلك النظرة السلبية للعالم الغربي، تجاه نظام "3 يوليو"، كما أن حالة الانسجام في المواقف والتنسيق الأمني في سيناء، وما يُقدمه الاحتلال للجانب المصري من معلوماتٍ بشأن سيناء، وإنجاز بعض العمليات ضد العناصر الإرهابية هناك، يجعل القاهرة أكثر حرصاً على تطوير علاقاتها وتعزيزها مع حكومة نتنياهو.
تعرضت الحكومة الاسرائيلية، اخيراً، لضغوط دولية، بسبب رفضها المبادرة الفرنسية، كما أن حركة المقاطعة الدولية للمنتجات الإسرائيلية كان لها تأثيرها على الاقتصاد الصهيوني، فضلاً عن أن اندلاع انتفاضة الأقصى كانت قد عمّقت الخلاف بين التحالفات الحزبية في إسرائيل، فجاء أفيغدور ليبرمان وخرج موشيه يعلون، وأصبحت الأمور مهيأة للانفجار، سواء في الضفة الغربية والقدس أو على جبهة غزة التي باتت تترقب أي تصرف أحمق من حكومة نتنياهو التي تستخدم كل أشكال الحصار على القطاع.
الظروف التي صاحبت المبادرة المصرية والأحداث التي تحوم حولها تعطي انطباع بأنها ليست مصرية خالصة، ولا عربية خالصة أيضاً، على الرغم من أنها ستنطلق من الدعوات التي تُطالب بتعديل المبادرة العربية التي سبق وأن قدمتها الرياض في قمة بيروت عام 2002، وعلى الأرجح، سيكون تعديل المبادرة المطروحة نقطة انطلاق، وأرضية أساسية للتفاوض في القمة الثلاثية في القاهرة، فالتعديل على المبادرة من أجل إرضاء عيون نتنياهو، المستفيد الأول وربما الوحيد، من مبادرة القاهرة لعدة أسباب، أهمها أن مبادرة القاهرة ستعمل على خلط الأوراق أمام المساعي الفرنسية والدولية الرامية إلى إنجاح مؤتمر باريس الذي يُفترض أن يُشكل ضغطاً على حكومة نتنياهو، كما أن الأمر يُعطي حكومة نتنياهو مزيداً من الوقت، ويوجه أنظار الفلسطينيين المنتفضين في الضفة الغربية، والمحاصرين في غزة، إلى المساعي المصرية، ليعلقوا عليها آمالاً جديدة بعد ربع قرن من المفاوضات الوهمية.
تزامن التحرك المصري مع الاقتراح العربي الذي أشار إليه الإعلام العبري الساعي إلى تعديل المبادرة العربية، لتكون مقبولة إسرائيلياً، يؤكد أن التحرك المصري لم يأت بمعزل عن دور عربي وأطراف أخرى، ما دفع بعضهم إلى القول إن إسرائيل هي من يقف خلف المبادرة، للخروج من أزماتها، ورفع الحرج عن النظم العربية التي تطبع معها سراً، فالجانبان الإسرائيلي والعربي باتوا معنيين بذلك التطبيع العلني، لأن حالهم الآن أشبه بحال المومس التي ترتكب الفاحشة أمام الجميع، لكنها حريصة على شكلها اللائق أمام أهلها وسكان الحي الذي تعيش فيه.
تحتاج هذه النقلة النوعية والجريئة في الموقف العربي إلى تسوية، ولا يهم ماذا سيكون شكلها، فالقضية الفلسطينية شيء مزعج بالنسبة لهم، يحرمهم من الاعتماد على ذلك الصديق والحليف القوي الذي في وسعهم تحجيم النفوذ الإيراني المُريب، ولا يمكن تحقيق هذا الأمر إلا بتحول إسرائيل إلى لاعب أساسي ومقبول عربياً.
ما يُعكر صفو هذه المساعي هو عدم قدرة الفلسطينيين على اتخاذ قرارات مصيرية، بسبب ترّهل منظمة التحرير ومؤسسات السلطة الفلسطينية والانقسام، وهذا ما جعل المبادرة المصرية مزدوجة، فمصر بحاجة لترتيب البيت الفلسطيني، ليس حباً في عباس، لكن لتأهيل الفلسطينيين وتمكين منظمة التحرير من اتخاذ القرار، ما يحتاج إلى سلطة فلسطينية قوية، لديها القدرة على اتخاذ القرارات، وذلك يحتاج أيضاً إلى ترويض المقاومة الفلسطينية في غزة، فأي تسويةٍ مع إسرائيل تحتاج شرعية فلسطينية، وأغلب الظن أن الجانب المصري سيسعى إلى ذلك عبر الضغط على حركة حماس ومساومتها على ملفات فك الحصار عن القطاع وملف موظفيها، في مقابل قبولها بالإنضواء تحت شرعية منظمة التحرير التي ستكون مُستعدة لقبول التعديل على المبادرة العربية، لأن الجامعة العربية ستقوم بما هو مطلوب منها.
بذلك، تكون فصائل المقاومة في موقفٍ لا تُحسد عليه، وهذا ما يُفسر زيارة وفد الجهاد الإسلامي القاهرة، وهي محاولة عربية لشق صفوف المقاومة وترويضها، فحركة حماس، غالباً، ما ستكون أمام خيارين، إما القبول بالمصالحة والدخول في حكومة وحدة وطنية، تلتزم بموقف منظمة التحرير الذي يعترف بالمبادرة العربية المُنتظر تعديلها، أو أن تتحمل فشل الجهود المصرية، وتكون مستعدةً لعدوانٍ جديد يقوده ليبرمان.
955782A9-581D-48B4-8C30-A5DBCB94F04C
955782A9-581D-48B4-8C30-A5DBCB94F04C
إياد جبر (فلسطين)
إياد جبر (فلسطين)