غزة من الحصار إلى إعادة الإعمار

غزة من الحصار إلى إعادة الإعمار

17 ديسمبر 2014
+ الخط -
تحول دراماتيكي فرض نفسه على قطاع غزة، بعد الحرب الأخيرة. قبلها كان مطلبنا الأساسي رفع الحصار المفروض منذ أكثر من سبع سنوات، والآن، أصبحنا نترقب إعادة الأعمار.

في الوقت التي كانت تعيش فيه غزة أشد أزماتها الاقتصادية، لم يكن الحال المأساوي قد وصل إلى هذا المستوى الذي أصبحنا عليه، اليوم، والذي بلا شك سيفرض نفسه على القرار السياسي لفصائل المقاومة في غزة في المرحلة المقبلة، فإذا كانت فصائلنا، في السابق، قادرة على الدخول في جولة عسكرية مع الاحتلال في السنوات السابقة، فإنها، أغلب الظن، لم تعد قادرة على ذلك، على المستويين القريب والمتوسط، وعدم قدرتها ناتجة عمّا آلت اليه الحرب الأخيرة من دمار هائل لأحياء بأكملها.

يروي الدكتور، باسم نعيم، وهو وزير سابق في حكومة حماس، قصة طريفة سمعها من أحد المسنين الذين عاصروا احتلال قطاع غزة عام 1967، قائلاً: بعدما احتل الصهاينة قطاع غزة في يونيو/حزيران من ذلك العام، طلبوا من أصحاب المحلات والورش أن يكتب كل منهم اسمه وعنوانه على ‫ يافطة‬، ويعلقها على باب المحل، فما كان من أحدهم إلا أن جاء بقطعة كرتون وكتب عليها اسمه وعنوانه بالفحم، وعندما مر الضابط سأله مستغرباً:"لماذا كتبت اسمك على كرتون وبالفحم؟ هذه لن تحتمل المطر في الشتاء"، فسأله المواطن الغلبان بامتعاض واستهجان: "وهل ستبقون إلى حين مجيء فصل الشتاء؟" لم يكن ذلك الفلسطيني المسكين يدرك أن احتلال غزة سيدوم أكثر من 25 عاماً.

بدت هذه القصة وكأنها تعيد نفسها، لكن، بشكل مختلف، فالمتابع لبرنامج إعادة الإعمار في قطاع غزة، والحال الذي يسير عليه، يدرك أن الأمر قد يحتاج إلى سنوات طويلة. وهنا، لست بصدد الحديث عن سير خطة الأمم المتحدة التي يجري تطبيقها في غزة، بموافقة كل الأطراف بما فيها حركة حماس! لكن، من الأهمية بمكان أن أستعرض مثالاً واضحاً، قد يجسد حجم المأساة التي يعيشها المواطن في غزة، وغالباً سيعيشها سنوات مقبلة، فقصة صاحب الورشة والضابط الإسرائيلي بدأت مع حفر مدارس وكالة "تعمل مراكز إيواء لمن هدمت منازلهم" آباراً للمياه داخل المدرسة، لتغطية احتياجات الناس من المياه، بالاضافة إلى تجهيز هذه المدارس بحمامات مياه جديدة، ووحدات لتسخين المياه "حمامات شمسية"، مما يعيد سؤال الضابط الإسرائيلي، الذي يخشى على اليافطة من أمطار الشتاء المقبل.

الواضح أننا كنا بمصيبة، وأصبحنا بمصيبة مضاعفة، أو مصيبتين في آن واحد، فاجتمع الحصار مع إعادة الإعمار، ولم ننجح، على مدار السنوات الماضية، في رفع الحصار، وأخشى أن يكون الأمر مشابهاً بالنسبة إلى إعادة الإعمار. حينها، سنكون لا طلنا عنب الشام ولا بلح اليمن.

هذه البئر التي وقعنا فيها وضعتنا أمام حقائق جديدة، لم نكن نتوقعها. في أثناء الحصار والمرحلة التي سبقت الحرب، كنا نبحث عن الضوء في نهاية النفق، لكننا أصبحنا نبحث عن النفق، وباتت غزة تسير نحو المجهول. ومع ذلك، لم تظهر أية بوادر إيجابية، وكأن الأمر لم يعن شيئاً لفصائلنا الوطنية والإسلامية.

955782A9-581D-48B4-8C30-A5DBCB94F04C
955782A9-581D-48B4-8C30-A5DBCB94F04C
إياد جبر (فلسطين)
إياد جبر (فلسطين)