أيها المثقف العربي

أيها المثقف العربي

21 ابريل 2016
+ الخط -
أيها المثقف العربي:
كم أرثي لحالك. فأنت، بكل إحساسك بالعظمة والاختلاف، عاجز تماماً عن تقديم مساعدةٍ مباشرة لجرحى سورية والعراق وفلسطين وشهدائها ومشرّديها. في الوقت نفسه، أنت غير قادر على السكوت، أنت الذي أوهمت نفسك أن للكلمات تأثير مطر شرس على أرض رملية رجراجة وجبانة، فما العمل؟ أنت تعرف أن دورك الحقيقي، كاتباً أو فناناً هو حراسة الحلم، وحفظ نبض المرحلة، وتخزين روحها في وعيك، تمهيداً لكتابةٍ قادمةٍ قد تطول، لكنك تعرف، أيضاً، أنك لا تستطيع السكوت والتفرّج على لحم أطفال أمتك المحروق. مسكين أيها المثقف العربي، أرثي لحالك، فأنت تجلس أمام الفضائيات، وتبكي بصمت أو علانية، والصفحات الثقافية، في معظم المجلات والصحف العربية الإلكترونية والورقية، تتبارى، هذه الأيام، في استقطاب الكتاب والشعراء والفنانين للكتابة عن إحساسهم ومواقفهم تجاه حروب أمتك المجنونة. سوق الكتابة الحزينة والباكية رائج الآن في بلادنا، وحين تنهض، أيها المثقف الشفاف، كالأسد لتكتب عن إحساسك تلبية لطلب محرر ثقافي في جريدة عربية أو موقع، تفاجأ بنفسك تتوقف وتقول: ماذا تفيد الكلمات للحم المحروق؟ لكنك حتى تحافظ على وهم قوتك واختلافك تواصل الكتابة السخيفة التي بدأتها كالعادة كما يبدأها الكل: الكلمات عاجزة عن تصوير ما يحدث، وعن مقاومة ما يصير في لحظة غريبة الأطوار، نهضت من جلستي مع أصدقاء منفعلين، ورحت أنبش في أرشيف الصحف والمواقع الإلكترونية عن كتابات الأدباء العرب، في أثناء الحروب والمعارك العربية مع إسرائيل، فوجدت أنها تبدأ دائما بهذه الجملة: الكلمات عاجزة عن التعبير، إذا كانت الكلمات عاجزةً، فلم تواصل الكتابة؟
سأقترح حلاً، على الرغم من أنني أفشل أسوأ مقترح للحلول: اقنع نفسك بأنك محض مواطن، واخلع عن كتفك عباءة الكلام السحري، حطم جهاز التلفاز في غرفتك الأنيقة، واذهب متطوعاً من فورك إلى الحدود السورية الأردنية، لتمسك يد نازحة عجوز سورية، أو لتربت على كتف امرأة، تبكي بجنونٍ لفقد ابنها أو زوجها، أو تقدم وجبة ساخنة لطفلٍ لم ينم منذ ثلاث ليال، تماماً كما فعل سمير الشاب الأردني الذي يعمل حلاقاً، ولم يكتب كلمة أدب في حياته، ولم يقرأ رواية منذ عشر سنين، مع صديقته الأردنية الطالبة في الجامعة، والتي تكره الشعر وتحب الرقص والسباحة. قال سمير لصحافية هندية: أنا هنا على الحدود مع هيام منذ بداية الثورة، فكّرنا في الموضوع، فبدلا من البقاء أمام التلفاز نبكي ونتحسّر ونهدّد، قرّرنا التطوع لمساعدة مشردي سورية، إذا لم تستطع، يا عزيزي، المثقف العربي أن تكون مواطناً عادياً، وتذهب إلى الحدود السورية الأردنية، باعتبار أن المواطن العادي على الأقل خال من الأوهام، ويتعامل مع الأمر ببراءة وواقعية مفيدة، فماذا ستفعل؟ هل ستبقى تتفرّج على لحم أمتك المشوي، وتبكي مع أطفالك. ارحم حالك، يا صديقي، وغب عن الوعي، ما دمت لا تستطيع أن تعيش هذه الأيام من دون عمل شيء مفيد، فلا أنت قادر على كتابة سريعة مفيدة فائدة مباشرة، ولا أنت قادر على السكوت. للغياب عن الوعي أشكال عدة، لا أدري ما هي، لكني متأكد أنك بمخيتلك الفظيعة، وروحك الواسعة المتقدة، ستصل إلى ابتكار أحد هذه الأشكال.
أيها المثقف العربي: افعل أي شيء يفيد فائدة حقيقية، بعيداً عن الكلمات النادبة والمحرضة والمقهورة والبلاغية الرنانة، أو غب عن وعيك، حتى تنتهي الحرب.
4855FC54-64E3-49EB-8077-3C1D01132804
زياد خداش

كاتب قصة فلسطيني، مواليد القدس 1964، يقيم في رام الله، يعمل معلما للكتابة الإبداعية، له عدد من المجموعات القصصية.