يحدث في مصر

يحدث في مصر

19 ابريل 2016
+ الخط -
ما الذي يحدث في مصر؟ هناك شيء مريب للغاية، يعجز المرء عن استساغته، فشاشات فضائية باتت في غمضة عين تمتلئ بمن يُشار إليهم بالمثقفين وخبراء، يقولون عنهم إنهم استراتيجيون ومتصدرون للمصاطب الفضائية، ويُقال عنهم إعلاميون. وصحف مصرية غصت بمقالات لكتابٍ دبجوها تدبيجاً، الجميع يهرولون ليهيئوا المصريين لقبول أن الجزيرتين المصريتين تيران وصنافير سعوديتان.
وبعيداً عن الخوض في ما خاضوا فيه، ليقنعوا شعباً، بين عشية وضحاها، بما لم يكن في الخاطر والحسبان، خلافا لما تعاقبت عليه أجيال، وسالت من أجله دماء، وبذلت لصونه أرواح الرجال، وبعيدا عن الجدل القانوني والجغرافي والتاريخي، ورعونة التعامل مع المسألة من نظام حاكم أطاح أرضا كل ما هو دستوري وقانوني واستراتيجي، أجدني أتساءل: ما الذي أصاب المصريين، أو على وجه الدقة، ماذا أصاب الشخصية المصرية؟
يتساءل كثيرون: هل أصاب موت سريري الشخصية المصرية، فباتت تنتظر معجزة من السماء تبعث الروح فيها من جديد.
إن سرطاناً من نوع فتاك استشرى في جسد مصر، لا أظنها تبرأ منه إلا بدماء جديدة، تُضخ في هذا الجسد، وإلا فإن الانحدار نحو الحضيض مستمر بلا هوادة.
ما يحدث في مصر الآن يؤكد حقيقة المأزق الوجودي الذى تعاني منه منذ عقود، حتى باتت في هوان، ما لا يجدي معه إلا الحلول الجذرية.
مصر تقريبا في شتى التصنيفات الدولية في ذيل القائمة، فشعبها ينتقل منذ عقود من فقر إلى ما هو أشد فقرا، تعليم دون المستوى وبطالة متفاقمة، وفشل اقتصادي، تدهور صحي احتلت به مصر مراتب الصدارة في أمراض وأوبئة فتاكة، فتدهور المستوى الصحي العام للشعب، وثروات أُهدرت، وفساد بلا حدود برعاية رسمية، بلغ حد التقنين والشرعنة، بما يؤكد أن الفساد ماء الحياة للنظام، وأنه لا حياة للنظام بدون فساد، ولا وجود للفساد إلا مع هذا النظام.
طبقية متفاقمة وعدل مفقود وظلم في أبشع صوره، بل وبالقانون مفروض؟ وتغلغل غير مسبوق للقوى والكيانات الكبرى والإقليمية سحق استقلالية مصر ومحوريتها، عبر تدرج من مرحلة الكنز الاستراتيجي للغرب والصهاينة إلى مرحلة من يمثل مغارة للكنوز الاستراتيجية لكل طامح وطامع إقليميا أو دوليا، وذهبت قوة مصر الناعمة أدراج الرياح، فأصبحت أثراً بعد عين.
هل أصبحت مصر، على حد تعبير بعضهم دولة مريضة جيوبولتيكياً. ثروة مصر الحقيقية في أبنائها. لكن، ما الذى أصاب الأبناء؟ وما الذى أصاب تلك الشخصية، حتى تصل إلى تلك الهوة السحيقة، وتفقد مصر أعز ما لديها، فالثروة الحقيقة لأي أمة هي أبناؤها، فالعقول تنتج الثروات وتبدع، والأمم بسواعد أبنائها تُبني.
تعيش مصر ثالوثاً ملعوناً من جهل وفقر ومرض، وعلى مدار عقود طويلة، لم يستطع نظام الحكم مقاومة هذا الثالوث المرعب والفتاك بالأمم، بل تنحدر الأمور من سيء إلى أسوأ، فأي نظام هذا؟ إنه نظام جعل العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة عداوة متبادلة.
مصر كما وصفها بعضهم أصبحت حكومتها بلا شعب سياسياً، وشعبها بلا حكومة اقتصادياً واجتماعياً، وتعيش تخلفا نسج خيوطة كالعنكبوت، فباتت أسيرة طغيان واستبداد، وأصبحت بين فكي رحى عدل مفقود وظلم مشهود، فسُحقت شخصية مصر وهكذا يريدها أعداؤها، وجعلها بعضهم في السوق بضاعة لمن يشتريها بدراهم معدودات.
لكن، ما زال الأمل معقوداً، كما قال واحد من أبنائها، في "حدث عظيم"، يُخرج الشخصية المصرية من بئر سحيق، لتعود مصر إلى مكانها الذي ما زال شاغراً، وينتظرها، لأنه لا يصلح إلا لها، وليس لغيرها.
D14DCC9E-4695-4E3F-AF5D-957B3D79F68C
D14DCC9E-4695-4E3F-AF5D-957B3D79F68C
محمد الشبراوي (مصر)
محمد الشبراوي (مصر)