هل يتعلم العرب الأمل؟

هل يتعلم العرب الأمل؟

08 مارس 2016
+ الخط -
ربما لم نطرح السؤال الذي يجب أن نطرحه في واضح التاريخ الراهن لشعوب شرق المتوسط وغربه، كما طرحه أحدث كتاب للفيلسوف والكاتب الفرنسي، روجي بول دروا، رفقة الصحافية في القناة الثانية الفرنسية، مونيك أطلان: هل للأمل مستقبل؟ ونضيف، بغير قليل من السخرية المرّة: كيف سيساعدنا أعداؤنا في وضع مستقبلٍ للأمل عندنا؟
وما كان الربط ممكناً، لولا أن صدور الكتاب تزامن مع اغتيال الأسير الفلسطيني السابق، الشهيد عمر النايف الذي عثر عليه مقتولاً داخل السفارة الفلسطينية في بلغاريا، وسط اتهامات لإسرائيل بارتكاب الاغتيال. والإجماع حاصل بين كل فصائل المقاومة والسلطة والهيئات المدنية على جهاز الموساد والحكومة الإسرائيلية بالوقوف وراء مقتل النايف، وهي "جريمة حرب، وقرصنة دولية، تقوم بها إسرائيل في ملاحقة المناضلين الفلسطينيين، وفي مقدمتهم المعتقلون المحررون".
السؤال الذي يفرض نفسه: وما علاقة جريمة حرب إسرائلية بمستقبل الأمل عند شعوب العرب؟ الأمل في أن يتعلم العرب من أعدائهم أن هناك ثوابت في السياسة الإسرائيلية تخدم مصالحها لم تتغير، على الرغم من كل العواصف التي تثور الآن. وهنا، بشرق العرب وبغربهم. وأن على الشعوب التي يعاد تركيبها، بناء على مصلحة إسرائيل، أن تعود إلى ثوابتها. .. والثوابت من الأمل فعلاً!
وإذا كان الأمل من الثوابت، في معادلة المتفائل العربي الذي يميل إلى الإرادة، فإن التشاؤم هو، في الغالب، ميل واضح إلى الفكر، كلما اشتغل في ميدان العرب وشعوبهم. وهذا الفكر الذي استقال، ونأى بنفسه بعيداً عن حقائق الصراع، غابت فيه الأولويات. والحال أن العودة إلى الأولويات الوطنية في الحرية وبناء الدولة المستقلة ذات السيادة والقاسم المشترك الذي يُمكِّن الدول والشعوب من العيش فوق أرض واحدة، هو العتبة في .. الأمل.
يقول الفيلسوف الفرنسي، في كتابه المشار إليه "الأمل تمرين على وضوح الرؤية"، تمرين من أجل تأكيد الإرادة، وهو ما يغيب فعلياً في المعيش العربي المشترك والفردي. وعندما يضيف أن الأمل "رهان المشترك في قرن الناس هذا"، نكاد نجزم بأن الاستثناء العربي قائم هنا، بالقوة وبالفعل.
يجب أن يعود المستقبل موضع انشغالنا واهتمامنا المشتركين، مع تفادي الديماغوجية. لنا أن نتعلم الأمل، أيضا، كما يدعونا الكتاب الصادر في يناير/كانون الثاني 2016 عن دار فلاماريان، ونترجم بعض فقراته هنا، أن العبث الذي تعيشه الشعوب في شرق المتوسط وغربه يمنعها من الأمل "بيد أن إعادة التعلم تقتضي أن نعود إلى أبجديات الأمل، في صناعة المشتركات. كما يحدث أن نتعلم التنفس، ونحن نتنفس، ونتعلم الجري، ونحن قادرون عليه، ونتعلم المشي ونحن نمشي. يمكن أن نتعلم الأمل بدون أن يعني ذلك تناقضاً بين كون الأمل معطى إنسانياً شبه فطري …. وبين تعلمه".
ماذا يعني تعلم الأمل؟ "يعني، أولاً، أن نتوقف عن لامبالاتنا وسلبيتنا إزاءه"، وهو ما يتضح في أننا أصبحنا نمارسه باعتقاد راسخ: الأمل ليس عربياً ولا شرق أوسطي، إذ اتضح من حجم القتلى أن الموت وحده قابل للتعلم، ويستحق منا المتابعة والحدبَ.
تعلم الأمل يعني أيضاً "أن نُجبر أنفسنا على أن نفهم ما هو أمل حقاً، وما هو غير ذلك". ليس بتبخيس العدو، والتبشير بأننا على وشك أن نقضي على فصائل الذئاب الوحشية التي تطارد الشعوب في خرائط بلا معنى، فيالق داعش في العراق وسورية، أو فيالق الموت في الصحراء الكبرى، وفي غرب الشرق الأوسط وأفريقيا المحاذية للعرب".
الأمل قد يعني، أيضاً، بالنسبة للشعوب، على الأقل أن تتوقف عن سذاجتها، وأن تحاول أن تفكر بأن هذا الموقف الوجودي الذي نسميه الأمل، كمعرفة، له "تاريخه الثقافي والسياسي والنفسي والفلسفي" المرسوم برتوشات على مقاسٍ تاريخي.
وأن يعلمنا أعداؤنا ليس معناه فقط بما يتقنونه من قتلنا، بل، أيضاً، بما يتقنونه من خوف الشعوب التي دخلته، طيعةً حد الورع؟
الأمل، يقول الفيلسوف الفرنسي، "من أبعاد الكرامة الإنسانية، والذي قلما ننتبه إليه، بالمعنى الذي يعيدنا إلى حريتنا، وإلى مخاطرها، وإلى أحلامنا وإلى أوهامنا، وإلى الحرية الممكنة لعواطفنا أيضاً. الأمل، هو أن تفكّر نفسك ككائن حر مسؤول عن مستقبلك، حتى ولو كان مستقبلاً غير غامض".
علينا أن نستعيد الأمل. لا خيار لنا، فنحن مثل الذين يقفون على عتبة الجحيم في كتاب دانتي، نقرأ صباح مساء "اتركوا أي أمل، أنتم أيها الداخلون".
الدخول إلى الجحيم هو أن تترك الأمل عند العتبة.

دلالات

768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.