ماذا تريد الفصائل؟

ماذا تريد الفصائل؟

26 فبراير 2016
+ الخط -
نترك جانباً التعاطف الحقيقي مع الأطفال الذين تقتلهم قوات الاحتلال في الضفة الغربية، بذريعة محاولاتهم القيام بطعن جنود إسرائيليين ومستوطنين أو دهسهم. وسوف نترك قصائد الشعراء المقاومين في مديح الأطفال القتلى، وتحريض غيرهم من الأطفال ليلقوا المصير نفسه. ولن نكترث لمراكز الدراسات الفكرية المنتشرة كالوباء في رام الله، ودراساتها حول أهمية السكين في تحرير الشعوب من الاحتلال. ولن نلتفت إلى خطب (وتحليلات) الكتّاب الإسرائيليين الإنسانيين، أمثال جدعون ليفي وعميرة هس، فتلك خطابات تطهّرية موجهة لجمهور إسرائيلي موغل في فاشيته، وتمثل عملية تحرّر للضمائر من ذنوب الانتماء إلى مجتمعٍ تزيده وحشية الاحتلال دموية. وتعالوا نلتفت إلى ما يريده الفلسطينيون في الضفة الغربية، فصائل وجماعات، مثقفين أفراداً ومؤسسات، من كل هذا الحراك الذي يختطف، منذ خمسة أشهر، أطفالاً لم يعيشوا طفولتهم وأحلامهم.
ماذا تريد الفصائل فعلاً؟ هل تريد حركة حماس، مثلاً، أن تثبت أن السلطة في رام الله غير وطنية، وغارقة في وحل استجداء مفاوضاتٍ لن تقدم شيئاً للفلسطينيين. وعليه، ستكون حماس البديل للسلطة، ولحركة فتح الحاكمة في السلطة؟ حسناً ولو تمكنت من إثبات وجودها عبر تحريض هؤلاء الأطفال على القيام بعمليات الطعن التي لن تحرّر شبراً من الضفة، ولن تجبر جندياً واحداً من جنود الاحتلال على الانسحاب من الأرض الفلسطينية، هل ستستطيع "حماس" أن تحكم، أو هل ستستطيع أن تكون هي السلطة. هذا إذا افترضنا أن إسرائيل قبلت بسلطتها، وقبل الأميركون بوجودها بديلاً لحركة فتح، وشريكاً في عملية السلام بشروط كتائب القسام؟ وماذا ستفعل حماس في الضفة الغربية لصالح السكان هناك، إذا كانت فشلت في فعل أي شيء لمصلحة السكان في غزة، فالبيوت المدمرة في الحروب المتكرّرة لا تزال ردماً منسياً وحالات الانتحار يأساً وفقراً وقرفاً في غزة تتصاعد كل شهر، والأطفال المرضى يموتون لعوز عائلاتهم. وتعالوا نرى ماذا تريد فصائل ما يسمى اليسار الفلسطيني من هذا التجييش للأطفال في الضفة وتقديس السكين والبلطات.
هل هذه الفصائل قادرة فعلاً على إدارة شؤون الحياة لهذا المجتمع الذي يعتمد، معيشياً، على وظائف السلطة والمنظمات غير الحكومية، والعمل في إسرائيل والمستوطنات؟ هل هذا اليسار الذي يرفع شعارات بروليتارية فارغة من أي معنى قادرٌ على تقديم حلول عملية لفقر الناس واحتياجاتهم الأمنية، من غير الاعتماد على الهبات التافهة من طهران التي، بالكاد، تكفي مسؤوليهم لدفع رواتبهم وأثمان محروقات سياراتهم وأجور منازلهم في الداخل والخارج؟ وتعالوا نفحص كتابات هؤلاء المثقفين الذين يتغزلون بصمود الشعب، وبالروح الكفاحية للأطفال، ويقدمون نظرياتٍ لا تختلف عن نظريات معمر القذافي ركاكة وهزالاً حول الانتحار وتقديس السكاكين، وأطفالهم في معظمهم يدرسون في دول الغرب، أو يترفهون في وظائف المنظمات غير الحكومية المملوكة لآبائهم بأجور أعلى من أجور المدراء في السلطة؟
ليس أمامنا سوى التواضع والواقعية حيال هذا الوضع المتردّي، سلطوياً وحزبياً وثقافياً. تم حصار الخيارات الثورجية كافةً، ولم تعد الظروف الموضوعية، ولا الذاتية، صالحة لكل هذه الغوغائية التي ربما كانت تمر من غير جدال نافع في نهاية الستينات. على الناس في مخيمات الضفة وقراها الفقيرة، وهي الخزان الحقيقي لكل هؤلاء الأطفال المقتولين، أن يعلنوا رفضهم سياسات التنظيمات كافة، والتفكير الجدي ببرنامج وطني واقعي، يقود إلى دحر الاحتلال، وأن يرفضوا هذا اللغو السياسي الذي هم الخاسر الأكبر فيه. وعلى السلطة والمثقفين الوطنيين حقاً أن يفضحوا الشعارات المزيفة حول المقاومة بالسكين والدور الإيراني عبر الأموال التي تصرف للقيام بمثل هذه العمليات الانتحارية التي تسرق طفولة الأطفال، وتترك العائلات في غياهب الحزن والأسى، خدمة لمصالح القوى الإقليمية في صراعٍ لا يكترث لأوجاع الفلسطينيين، ولا لمصلحتهم.
8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.