العرب والحضارة

العرب والحضارة

05 ديسمبر 2016
+ الخط -
كانت نقطة تحول، حين تمكن بنو أمية من الحكم، لكن الدعوة المحمدية على الرغم من هذا الانحراف الخطير، استمرّت في الانتشار والتوّسع، وعلى هذه الأرضية الإسلامية، بدأت تنشأ حضارة قوية فاعلة ومؤثرة، بمختلف جوانبها.
يعدّ سيدنا عمر بن عبد العزيز أول نموذج في الحكم بعد الانتكاسة، تميّز بحبّه للخير والعدل والمساواة وردّ المظالم إلى أهلها، ولعلّه كرّس فترة حكمه القصيرة، محاولاً تصحيح المسار، من خلال عزل جميع الولاة الظالمين ونشر العلم بين الرعية، والعمل بالشورى وتدوين الحديث النبوي، كما قام بإصلاحات اقتصادية موّسعة، حتى لم يتبق هناك فقير ضمن الرقعة التي كانت تحت حكمه الرشيد، إصلاح بل تغييرات جذرية، أشعلت جذوة المؤامرات، لتنتهي بموت الملك الاستثنائي مسموماً.
ولا يمكننا أن نمرّ على هذه الحقبة الزمنية المباركة، من دون أن نذكر القائد صلاح الدين الأيوبي، المجاهد الذي عاش معظم حياته وسط المعارك، ليتوّج جهاده الكبير بفتح القدس، وإرجاعها ملكاً خالصاً للمسلمين.
وفي جانب آخر، وبعيداً عن التراتبية الزمنية للتاريخ، أنجبت الحضارة الإسلامية علماء كثيرين نبغوا في شتى العلوم الكونية، فابن خلدون يعتبر مؤسس علم الاجتماع من دون منازع، عن طريق مقدمته التي تعتبر مرجعاً أساسياً في الموضوع، وهناك ابن إسحاق الكندي الذي كان أوّل من حدّد جرعات جميع الأدوية في عصره، ووضع أوّل سلّم للموسيقى العربية، والبيروني الذي يعتبر أشهر شخصيةٍ علميةٍ على مرّ العصور، إذ قال عنه المستشرق سخاو أنّه "أكبر عقلية في التاريخ"، وابن سينا حكيم الشرق والغرب الذي جعلته مؤلفاته الطبية من عباقرة التاريخ الخالدين، وغير هؤلاء كثير وكثير ممن ساهموا بنبوغهم، ليس فقط في نهضة العرب والمسلمين، بل في نهضة العالم.
والمسلمون هم أكثر من كتب في الحب والعشق، فقد قدّمت الحضارة الإسلامية أعلاماً كباراً، مثل سلطان العاشقين ابن الفارض، والحلاج، ومولانا جلال الدين الرومي، وعمر الخيام، واللائحة طويلة.
لكن التساؤل يبقى مطروحاً: كيف لأمةٍ بهذا الزخم وبهذه الكثافة من الرجال الصالحين والمصلحين والأعلام الكبار أن تكون في ذيل الأمم؟
لا يمكن تفسير هذا الأمر إلا بحقيقتين، لا مفرّ لنا منهما، الأولى فساد الحكم الذي ظلّ متوارثاً حتى عصرنا، والثانية تتمثّل بالاستعمار الذي بدأ عسكرياً، ولا زال مستمراً ثقافياً وفكرياً، ما سبّب فراغاً مهولاً امتد في أعماقنا ورسخ بشدة، فراغ روحاني، واستلاب فكري، وإعلام فاسد، أنتجوا جيلاً هجيناً يجهل عمقه التاريخي وتاريخه المشرق، ولا يصل إليه من الحقيقة إلا الفتات.
لنا عمقنا التاريخي، ولنا نماذجنا التي نفخر بها، ولن يكون لنا نهوض ولا خلاص، إلا بالاقتداء بها وتتبّع خطواتها الرشيدة.
DC53206E-E8E7-4BFE-8EED-84FC39AD29AA
DC53206E-E8E7-4BFE-8EED-84FC39AD29AA
حمزة المطلع (المغرب)
حمزة المطلع (المغرب)