الثورات العربية والأيدولوجيا

الثورات العربية والأيدولوجيا

25 ديسمبر 2016
+ الخط -
يعتقد بعضهم أن ما يلزم شعوبنا هو إيديولوجيا ثورية، قادرة على تعبئة الجماهير وحشدها تحت قيادة طليعية في نضال ثوري ضد قوى الاستبداد، ويميل أغلب الناس إلى الأيدولوجيات الدينية، لأنّها الأكثر تناغماً مع هوية الأمة وتاريخها، والأقدر على تحريك عواطف الجماهير وإلهاب مشاعرهم، لكن قراءة تجارب التاريخ والثورات عبر الزمان تبيّن أنّ الأيديولوجيا في الغالب تقيم صرحاً للاستبداد أشد عتواً ورسوخاً، ولا تُعتبرُ الأيديولوجيات الدينية استثناءً، بل قد يكون استبدادها أشدّ خطورةً إذ تضفي على استبدادها مسحةً من القداسة والعصمة. ولنا في جمهورية الولي الفقيه في إيران عبرةٌ ومثال.
قد لا نجافي الصواب إن قلنا إنّ الحركات المؤدلجة غالباً ما تحمل مشاريع استبدادية بالضرورة، حيث إنّ الأيديولوجيا، دينية كانت أو علمانية أو قومية أو يسارية، منظومة عقائدية مغلقة (دوجماتية)، تدّعي احتكارها الحقيقة وأحقيتها في حكم المجتمع، وهي تحمل، في الغالب، برنامجاً لفرض تصوراتها على المجتمع. وهذا يفسر قدرة الحركات الإيديولوجية المحدودة على تقبّل الآخر والتعاطي معه، على اعتبار أنّ هذه الحركات تعتبر نفسها مالكة للحقيقية، ومن خالفها هو باطل بالضرورة.
عندما اندلعت الانتفاضات الشعبية في العالم العربي لم تكن لها أُطُر أيديولوجية، وكانت تلك من نقاط قوتها وضعفها في آنٍ معاً، إذ مثّل الحراك الشعبي العابر للأيديولوجيا أول الأمر فرصة لحشد طيف واسع من القوى السياسية والاجتماعية التي ضاقت ذرعاً بنظام استبدادي سدّ كل منافذ التغيير، وجعل اللجوء إلى الشارع أو القوة الخيارين الوحيدين لتغيير الوضع القائم.
كان خيار اللجوء إلى القوة المسلحة قد تمت تجربته إبّان الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، وانتهى بنتائج كارثية على قوى المعارضة في دول مثل سورية والعراق ومصر والجزائر، حيث تمتلك السلطة كلّ أدوات القوة القادرة على سحق أي معارضة تدخل معها في مواجهة مسلحة.
لذلك، مثلت الانتفاضات العربية فرصة جديدة، دخلت فيها القوى السياسية والاجتماعية المؤدلجة على خط الحراك الشعبي الذي عانى من فراغ قيادي جعله مكشوفاً، وحاولت كل من هذه القوى أن تجيرَ الحراك لصالحها وتتصدر قيادته، وبما أنّ هذه القوى تحمل أيديولوجيات مختلفة، يدّعي كلٌ منها أنّه صاحب الحق وما سواه على باطل، فقد حاول كلٌ منها أن يقصي الطرف الآخر، ودخلت في نزاعٍ مبكر فيما بينها أدى إلى انفراط عقدها، وأعطى ذلك فلول النظام القديم فرصة لملمة صفوفها وترتيب تحالفاتها، لتشن هجوماً معاكساً استغلت فيه الشروخ والانقسامات الظاهرة في جسد المعارضة، وتمكّنت بذلك من إعادة إنتاج النظام القديم.
والسؤال الآن: هل يحمل تبني الحراك الشعبي أيديولوجيا واحدة ومحددة خطر تشكيل نظام استبدادي جديد وإعادة إنتاج للدكتاتورية بصورة جديدة. وفي المقابل، إذا كان افتقار الحراك الشعبي أيديولوجيا محددة، يجعله بلا قيادة موحدة، وقابلاً لأن تختطفه أيديولوجيات متصارعة، تؤدي إلى إجهاضه في نهاية المطاف، فما هو الحل إذن؟
هل يمكن لمبادئ عليا وقيم مشتركة أن تشكل بديلاً واقعياً للأيديولوجيا، وتكون قادرة على إفراز قيادة موحدة تخرج بالمجتمع من نفق الاستبداد؟ أم أن الأيديولوجيا أمر لا مفر منه؟
687776C5-C080-4892-BC1B-A087B3A1EABD
687776C5-C080-4892-BC1B-A087B3A1EABD
نور الدين الرفاعي (العراق)
نور الدين الرفاعي (العراق)