في وفاة صحافي جزائري سجين

في وفاة صحافي جزائري سجين

13 ديسمبر 2016

محمد تامالت غامر بعودته من بريطانيا إلى الجزائر

+ الخط -
في اليوم الذي كانت اللجنة الجزائرية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها تحتفي بجائزتها التي منحتها، في دورتها الثالثة، للدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، فقد صحافي جزائري مسجون حقه في الحياة، هو محمد تامالت، في مستشفى في الجزائر العاصمة، بعد أسابيع من دخوله العناية المركزة عقب إضرابه عن الطعام، بعد توقيفه ومحاكمته، بتهمة إهانة هيئة نظامية والإساءة لرئيس الجمهورية، والحكم عليه بالسجن عامين.
وإلى الحزن على وفاة شاب في الثانية والأربعين من عمره، كان يرجو من الحياة طول العمر والصحة، لتحقيق ما يتطلع إليه، ثمة السؤال عن حرية الصحافة ومآلاتها في بلدٍ مثل الجزائر، يسجن فيه صحافي بسبب أرائه وكتاباته، ولأجل ذلك يُضرِبُ عن الطعام، ويموت وهو سجين. وموت صحافي في السجن، أول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة، أمر جلل، يطرح أكثر من سؤال.
كتب تامالت، في يونيو/ حزيران الماضي، على صفحته في "فيسبوك" "بعد عشرة أيام، سأعود إلى الجزائر، من أجل استطلاع سبل العودة النهائية إلى البلاد، معرّضا نفسي لخطر السجن والتعذيب، وربما القتل، ومتجاهلاً مئات التحذيرات التي تصلني منذ إعلاني عن نبأ العودة". لم يأبه المُدون والصحافي الجزائري المقيم في بريطانيا بما ينتظره من متابعات قضائية في الجزائر، وهو الذي جرّب الملاحقات الأمنية، حتى في بريطانيا التي استدعته فيها الشرطة، للتحقيق بناء على مذكرة من الجزائر. هل كان تامالت يعي تماماً ما يُقدِم عليه بعودته إلى الجزائر، أما كان في الأمر مغامرة غير محسوبة العواقب، أم أنه وُعد بطيِّ صفحة الخلاف مع السلطات الجزائرية التي كانت محل انتقاداته الحادة.
كتب تامالت عدة مقالات في المجلة الإلكترونية "السياق العربي"، تنتقد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ومسؤولين في الحكومة أو أفراد أسرهم، وقرأها متابعوه على صفحات التواصل الاجتماعي، وهو ما اعتبرته السلطات "مسّاً بكرامة رئيس الجمهورية وشخصيات تتولى مناصب عليا في الدولة".
لم يكن أسلوب تامالت في الكتابة يستهوي كثيرين، كان مباشراً متعجلاً، يقفز على ثوابت كثيرة في أخلاقيات الصحافة، وعلى الرغم من الاختلاف معه في طريقة تعاطيه مع الأحداث والأشخاص في الجزائر، لأن للشجاعة الأدبية في الكتابة أصولها، إلا أن وفاته في السجن وهو مُضرِبٌ عن الطعام تمثل سابقة في الجزائر، تطرح أسئلةً عن حقوق الإنسان، وعن منظومة الإعلام في الجزائر، التي ترهّلت بإرادة سلطةٍ رغبت في تركيع أهل الصحافة الحقيقيين، واستبدالهم بآخرين، مكّنتهم من الأموال والإشهار (الإعلان) والمطابع والمقرات، ليستولوا بعدها على مقاليد الإعلام. قد يفاجأ القارئ، حين يعلم أن أكثر من 140 صحيفة تصدر في الجزائر، كثير منها يُطبع ولا يُوزَّع، فمهمة صنّاع الصحف تنتهي بحصولهم على الإشهار الذي تمنحه السلطة على من يصفّق لها ويطلب رضاها، ولا تهم بعد ذلك نسبة المقروئية، ولا الاحترافية، ولا مستوى الأداء الإعلامي الذي تدحرج حتى وصل إلى القعر. ينطبق الأمر نفسه على القنوات التلفزيونية التي انتشرت في الفضاء من دون قوانين منظمة، فأصبح بعضها لسان حال القوى النافذة في السلطة والمال والأعمال. وأصبحت شاشاتها مسارح لمعارك لفظية، تبتعد عن الحيادية والمهنية، ولا تعرف الاحترافية لبرامجها سبيلاً.
أعطى سجن الصحافي محمد تمالت منظمة هيومن رايتس ووتش مناسبة للتعليق على القضية، بقولها إن "حرية التعبير لن تكون أبدا مضمونة في الجزائر، طالما أن قصيدة نشرت على فيسبوك يمكن أن تكون عقوبتها السجن عامين". ليس هناك مبرّر لموت تمالت بتلك الطريقة المأساوية، والتي ستكون فرصةً للمس بسمعة الجزائر دولياً، وبكل مكاسب الحرية الإعلامية التي دفع من أجلها صحافيون أرواحهم في التسعينيات، حيث أكل لهيب العشرية السوداء يومها أصدقاء لنا نتذكّرهم اليوم، ونترحم على أرواحهم.
لم نستفد من هذه التضحيات شيئاً كثيراً على كل حال، ركب الموجة ناس غرباء تزكّيهم سلطة الأمر الواقع، مكّنتهم من زمام الصحافة، أسست لهم صحفاً وقنوات، وأغدقت عليهم من ريع الدولة والشعب، أُبعد المحترفون، غُيِّبُوا أوغابوا، أو هاجروا خارج البلد، مُورست كل أشكال التكميم والإقصاء تجاه كل من يختلف مع السلطة. تراجعت أخلاقيات المهنة، وحتى أبجدياتها، فخلت الساحة لكثير من الرداءة، وبقي قليلون من أصحاب المهنة يقاومون هزال الإمكانات، وتراجع الإشهار، وديون المطابع العمومية المتراكمة.
خليل بن الدين
خليل بن الدين
إعلامي جزائري، من مواليد 1962، عمل في الصحافة المكتوبة، وفي التلفزيون الجزائري، وأستاذا مشاركا في قسم الإعلام جامعة وهران، وعمل في تلفزيون دبي كبير مراسلين ومشرف نشرات، ويعمل حالياً في قناة الجزيرة.