جدتي والأقصى وخروف العيد

جدتي والأقصى وخروف العيد

23 سبتمبر 2015
+ الخط -

لم تنم جدتي كل الليالي التي تلت عودتها من الديار الحجازية، بعد تأديتها فريضة الحج التي كانت تسميها "السفر إلى الحجاز"، ويفهم من حديثها ما معناه أداء فريضة الحج، وقد هجر النوم عينيها، لأنها كانت تريد "تقديس حجتها"، لكن صحتها خذلتها، بعد أن عادت منهكة من سفرها براً من غزة، مروراً بالأردن، عبر جسر الملك حسين، وصولاً إلى الأراضي المقدسة.

ظل المسجد الأقصى القبلة الأولى لجدتي حتى عام 1980، حين صعدت روحها إلى بارئها، وهي تعتقد أن حجتها ناقصة، ولم يرفع أجرها إلى السماء، ولم تنل ثوابها، لأنها لم تقم بزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه بعد عودتها من الحجاز، مثلما كان متبعاً حتى بداية انتفاضة الحجارة.

في ذلك الزمان، كانت تنظم رحلات جماعية بالباصات التي تنطلق من ميدان الساحة في غزة، محملة بالحجاج الذين يرتدون الملابس البيضاء التي سافروا بها إلى مكة، في طريقهم إلى القدس للصلاة في أقصاها. وبذلك، يشعرون بالاطمئنان إلى أن حجة الواحد فيهم قبلت، بل ينحر كل واحدٍ منهم خروفاً غير الذي نحره في يوم النحر، ويولم داعياً الأقارب والأحبة، بعد انتهائه من طقس "تقديس حجته"، وعودته محملاً بالكعك المقدسي والحلى النسائية الرخيصة التي يبتاعها من سوق باب العمود، ولا يوزع الهدايا التي ابتاعها من مكة، إلا حين يضم إليها هدايا الأقصى.

بعد الاحتلال، اختفى أيضاً الحجاج العرب الذين كانوا يحجون إلى القدس، في طريق عودتهم من الديار الحجازية، وتمت إشاحة أعين المسلمين عن قبلتهم الأولى، ولم تعد القدس من طقوس الحجيج.

وفي هذه الأيام، أيام الحج الفضيل، تسعى إسرائيل إلى ترسيخ وجودها في القدس والأقصى، بطرق شيطانية عدة، منها الطقس الديني الزمني، إذ دعت المنظمات اليهودية المتطرفة أنصارها إلى المجيء إلى ما سمته "جبل الهيكل"، أي باحات الأقصى صباح الأحد 13 /9 للاحتفال برأس السنة العبرية، لكن السبب الحقيقي هو التمهيد للتقسيم الزماني للأقصى، بحيث يخصص اليهود أوقاتاً معينة لكي يؤدوا صلاتهم اليومية بين السابعة والحادية عشرة صباحاً. وبنجاح هذا المخطط، سيتم تقسيم باحة الأقصى، كما تم تقسيم الحرم الإبراهيمي في الخليل، وحجة اليهود في ذلك أن اسم أورشليم لم يذكر ولا مرة في القرآن الكريم مدينةً مقدسة للمسلمين والمسيحيين، لكنها ذكرت في التوراة مئات المرات. كذلك تسعى إسرائيل إلى تنظيم حق العبادة في الأقصى على هواها ووفق مشيئتها، بحيث يكون نصيب يهودها 200 يوم من أيام السنة.

إذا كانت جدتي قد نامت نومتها الأخيرة والطويلة، بعد أن جافاها النوم سنوات، لأنها لم تحقق حلمها بالصلاة في الأقصى، فإن غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل، ماتت قريرة العين، بعد أن جافاها النوم ليلة واحدة، خوفاً من أن يدخل العرب أفواجاً دفاعاً وانتصاراً للأقصى، بعد حريق المسجد الأقصى، لكنها اكتشفت، بعد ليلة عمرها الوحيدة والعصيبة، أن العرب أمة نائمة، وألقت بنبوءتها قائلة: سنتوصل إلى سلام مع العرب، حين يحبون أطفالهم كما يكرهوننا. وهذا ما يحدث، لأن أطفال العرب يُقتلون بشتى أدوات القتل، وبأيدٍ عربية، وتآمر معلن وخفي. ونحن لا نفعل أكثر من الشجب والاستنكار والإدانة، وتجديد كراهيتنا إسرائيل وأميركا، وليس ذلك إلا تعبيراً عن إشهار إفلاسنا وعجزنا عن الحراك الفعلي، لنصرة ديننا وأبناء عروبتنا.

يتعرّض المسجد الأقصى الذي بارك الله سبحانه وتعالى حوله لمحاولة صهيونية لتقسيم أرجائه، في ما يعرف بالتقسيم المكاني، بعد أن نجح العدو في فرض التقسيم الزماني، ومنع المسلمين من الدخول إليه في الفترة الصباحية، ولا يجد من يدافع عنه سوى المرابطين والمرابطات في رحاب المسجد، وداخل أروقته، وسلاحهم الوحيد الحجارة.

 

 

 

دلالات

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.