محمد مرسي وميشال سماحة

محمد مرسي وميشال سماحة

18 مايو 2015
+ الخط -
طريفٌ من مطابخ عبدالفتاح السيسي، وأجهزته، أنها اخترعت لمحمد مرسي تهمة "إهانة القضاء". يجوز حسبان هذه النكتة سمجةً بعض الشيء، فالقضاء الذي يُهينه الرئيس المحتجز، بحسب واحدةٍ من التهم المسدّدة عليه (كم عددها؟) لا يحتاج إلى من يُهينه، فما أصدرته محاكم مصرية، مدنيّة وعسكرية، في العامين الماضيين، من إعداماتٍ ومؤبدات، ومن براءات أيضاً، وجديد أحكامها، أول من أمس، إحالة أوراق 102 متهم، بينهم مرسي وأسير وشهداء فلسطينيون، يتفوق هذا كله على هزليّات عبدالسلام النابلسي، في الإضحاك، من فرط ما فيه من ابتذال، واسترخاصٍ لقيم العدالة والحق والقانون. والبادي أن جلود أهل هذا السيرك القضائي سميكة، فلا يحفلون بما (تفتئت) به عليهم منظماتٌ حقوقية عالمية، عندما تندد بما يصنعون، وقد أصبح هذا، لشديد الأسى، واحداً من مظاهر خرابٍ متدحرجة لا يراد لها أن تتوقف، في مصر الراهنة. 

أسوأ ما في مصر، كما نُعاين نحن المولعون بحب هذا البلد وناسه، أَن القضاء فيها لم يعد قضاءً، والإعلام لم يعد إعلاماً، والسياسة لم تعد سياسة. إنك بالكاد تصادف خبراً مبهجاً، أو طيباً، في أي شأن يخص مصر. وهذا التأليه الحادث هناك لشخص السيسي، الرجل الذي لم يصنع شيئاً منذ أن تولى السلطة، بعد 3 يوليو، يحسب إنجازاً نافعاً وظاهراً في صالح مصر وأهلها، يعني أن وعياً مريعاً يُراد له أن يستبدّ في عقول الناس وأفهامهم، وبالمجان ومن دون أي مقابل. أيُّ مجهودٍ ذهنيٍ يمكن الاستنجاد به لاستيعاب المسخرة التي استجدّت، أول من أمس، في قصة الإحالة إلى المفتي تلك، فيما كل تفاصيل القضية عجيبة، بشأن هروب محبوسين سياسياً من سجن ناءٍ، وبمعاونة عناصر من حماس وحزب الله، قطعوا مفازاتٍ طويلة، ونجحوا في مهمتهم، ثم فرّوا بنجاح، فيما كانت الاستخبارات الحربية، برئاسة اللواء عبدالفتاح السيسي لها، نائمة، وكانت مديرية مصلحة السجون في وزارة الداخلية، بإشراف اللواء محمد إبراهيم، غافية؟
تُرى، هل يجوز القول هنا إن من مظاهر تردّي الدولة القُطرية العربية الراهنة، وانسحابها من وظيفتها، راعيةً لحقوق مواطنيها، اهتراء مؤسسة القضاء في هذه الدولة، وانتظامه في فسادٍ عميم، يظلل أجهزة الدولة وإداراتها؟ أغلب الظن أن الإجابة نعم، بدليل أن هذا الاهتراء يحدُث في بلدين عربيين، متغايرين على غير صعيد. مصر، حيث الدولة قوية ومركزية، ولبنان، البلادولة، بحسب وصف سعيد عقل له، ينتظر فيه ميشال سماحة سبعة شهور ليصير طليقاً، بعد حكمٍ بحبسه أربع سنوات ونصف، وهو الذي اعترف بجريمته الفظيعة التي كلفه باقترافها بشار الأسد وعلي مملوك، وموجزها نقل متفجرات من دمشق إلى لبنان، في سيارته، بأمر من المذكوريْن، لإحداث تفجيراتٍ واغتيال شخصيات دينية وسياسية لبنانية.
لا يتبع قاضي المحكمة العسكرية التي تعطفت على سماحة بالحكم الطريف هذا الدولة اللبنانية، بمقدار انتسابِه إلى جهةٍ موصوفةٍ ومعلومة في البلاد، لها ولاؤه. وكما يرفل حسني مبارك ونجلاه وحبيب العادلي ورفاقهم بالحرية الآن، بعد مزحة حبسهم بعض الوقت، وفيما تتوالى المؤبدات والإعدامات والعشريات على محمد مرسي ورفاقه، وعلى شبانٍ من رموز ثورة 25 يناير، فإن ميشال سماحة، وقبله العميل العوني لإسرائيل، فايز كرم، وقبلهما عملاء لحديون كثيرون، يحظون بأحكام مخففةٍ لطيفة، لأسبابٍ تتعلق بتسويات طائفية، وأخرى تتصل بحسابات النفوذ في البلاد لقوى لها حصصها الوازنة في السلطتين، التنفيذية والأمنية.
كأن مصادفة التزامن بين الحكمين الهزليين على ميشال سماحة في لبنان ومحمد مرسي (وغيره) في مصر، جاءت لتؤكد الاجتهاد المشار إليه هنا، عن اهتراءٍ في الدولة العربية الراهنة، عنوانه هذه المرة القضاء، وهذا واحد من مؤسسات السلطة والحكم العليا، كما تفترض كلاسيكيات دروس العلوم السياسية، غير أن فائض الحداثة في علوم الفساد واللاسياسة، في مصر ولبنان، مثليْن لا غير، لا يرى في القضاء غير ملحق بما يتقرّر، حسب اللزوم، أن يلحق به.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.