تبادلية سورية واليمن

تبادلية سورية واليمن

27 ابريل 2015

من تظاهرات الثورة اليمنية (22 فبراير/2011/الأناضول)

+ الخط -

ما إن أعلنت السعودية انتقال عملياتها العسكرية في اليمن من "عاصفة الحزم" إلى "إعادة الأمل"، إلا وبدأت الأزمة السورية تعود إلى صدارة نشرات الأخبار والتصريحات الرسمية. قد لا يوجد رابط مباشر بين تطورات العملية العسكرية في اليمن والمنحنيات التي تتخذها الأزمة السورية، صعوداً وهبوطاً بين التحرك الميداني والمسار السياسي، إلا أن المتابع للأزمتين، خصوصاً في العامين الأخيرين، يلحظ أن ثمة علاقة تبادلية بين التطورات هنا وهناك. فحين تأزمت الأوضاع في اليمن، وتعثر الحوار الوطني، وبدأت التحركات الحوثية على الأرض، كانت الأزمة السورية تتجه إلى الثبات والجمود سياسياً وميدانياً أيضاً. وعندما تحركت موسكو، العام الماضي، وحاولت استدراج المسار السياسي إلى أرضها، وانتهاز فرصة التخلي الأميركي عن رعاية الملف السوري بشكل مباشر، اتجه الوضع في اليمن إلى الهدوء والتعليق. ومع كل منعطف مهم في إحدى الأزمتين، باتجاه التهدئة والتجميد أو التأزم والتعقيد، تكون الأخرى تشهد منعطفاً لا يقل أهمية، لكن في الاتجاه العكسي. ومع انتهاء تلك المرحلة في هذه، تنتهي أيضاً المرحلة المعاكسة في تلك. ولم تخرج التطورات الأخيرة في الأزمتين عن هذا النمط المتكرر. فمع تصاعد الموقف في اليمن، وتحوله إلى مواجهة مسلحة، كانت سورية تتراجع فيها وتيرة المواجهات، وتنحسر أيضاً الاتصالات والمشاورات السياسية. وعلى الرغم من أن الوضع في اليمن لم ينتقل بعد إلى مرحلة هدوء أو يتخذ مساراً سياسياً، إلا أن التحول من "الحزم" إلى "الأمل" يعني ضمنياً تثبيت الأزمة عند مستواها الراهن، من دون تصعيد كبير أو تسوية نهائية. فالقصف مستمر، وإن على نطاق أضيق، وفرص الانفراجة السياسية ضعيفة، وإن لم تنعدم. وسيبقى الوضع على حاله حتى إشعار آخر.

وفي التوقيت نفسه، شهدت الأزمة السورية تطورات مهمة، خصوصاً على الصعيد السياسي، حيث بدأت روسيا في إجراء مشاورات تحضيرية للقاء أطلقت عليه "موسكو-3"، بينما وفي التوقيت نفسه، بدأ المبعوث الدولي دي ميستورا اتصالات مكثفة لما أسماه "جنيف-3"! كأن الجميع كان ينتظر تباشير انتهاء الحرب في اليمن، أو على الأقل اتضاح مآلاتها المبدئية، قبل التفكير في أي تحرك جديد بشأن سورية.

يبدو هذا الارتباط منطقياً على مستويين، الأول تعقيدات القضايا والملفات الإقليمية في المنطقة، فالشرق الأوسط أضعف من أن يحتمل منعطفات حادة في أكثر من قضية أو أزمة في توقيت واحد. ويتعلق المستوى الثاني بهاتين الأزمتين تحديداً، فبالفعل هناك قواسم مشتركة كثيرة بينهما. منها وجود الدول نفسها تقريباً أطرافاً رئيسية فيهما، وهي إيران والسعودية في الصدارة، ومصر وتركيا في المرتبة التالية. كما أن الأزمتين تؤثران، مباشرة، في الوضع الإقليمي واستقرار المنطقة. ما يؤدي إلى وجود ومحورية أدوار القوى الكبرى في كل منهما. واللافت، هنا، ذلك الحضور الروسي القوي والملموس في الأزمتين، للمرة الأولى في الشرق الأوسط ربما منذ عقود. من المشتركات أيضاً، وجود بعد مذهبي في الحالتين. صحيح أن الدوافع الأصلية سياسية، ولكن، يجري توظيف التباين المذهبي بشكل يبدو مكشوفاً في حالة اليمن. ويظهر في سورية من حين إلى آخر، لكنه قائم، وعانى منه السوريون في بعض المناطق.

وعلى الرغم من تلك القواسم المشتركة، لم يكن أحد يتوقع أن تحذو الأزمة في اليمن حذو سابقتها السورية، لكن التطورات جمعتهما أيضاً معاً، فتلك الحركة التبادلية بين الأزمتين، تنذر باستمرار الصراع في اليمن وسورية إلى أمد غير معلوم. وإن كانت معطيات الوضع في سورية تشير إلى ذلك من قبل، فإن التطورات اليمنية لم تكن تشي بذلك، غير أن أيلولة "عاصفة الحزم" إلى ما آلت إليه تفتح الباب أمام امتزاج العسكري بالسياسي في صراع طويل ومعقد، ويصعب حسمه قريباً، لا بالضربة القاضية عسكرياً، ولا بتجميع النقاط سياسياً.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.