نكات سياسية

نكات سياسية

01 مارس 2015
+ الخط -
كانت للأديب التركي الراحل، عزيز نسين، زاويةٌ صحفية يومية، بعنوان "نكتة اليوم"، ينشر بعضَها في جريدته الساخرة "ماركو باشا"، وبعضَها الآخر في الصحف التي تستكتبُه لملء عمود النكتة الذي كان شائعاً في الصحافة التركية أيامَئذ.
وكان يأتي، أحياناً، بنكتة شعبية متداولة، ويُسَيِّسُها بطريقته البارعة، مثلما فعلَ بحكاية الرجل الذي أحضر ثلاثَ زجاجات من النبيذ، وطلب من صديقه الذوَّاقة أن يعطيَه رأيَه فيها، ويخبره أيّها أطيب؛ فلما تذوق صديقُه النبيذَ الموجودَ في إحدى الزجاجات، امتعض وكَشَّ، وقال له: إن النبيذ الذي في الزجاجتين الأُخريين أطيب من هذا.
استغرب صاحبُ الزجاجات، وقال: لكنك لم تذق نبيذ الزجاجتين الأخريين؟ فقال الذواقة: صحيح، ولكن؛ لا يعقل أن يوجد على وجه الأرض أسوأ من هذا الذي ذقتُه.    
نشر عزيز نسين النكتة كما هي، ووضع لها العنوان التالي: أحزابُنا السياسية.
يمكننا، بالطبع، أن نعيد إنتاج هذه النكتة، اليوم، فنضعها كما هي، ونضع لها عناوين أخرى من قبيل: "النظام السوري وداعش والنصرة"، أو "الأنظمة العربية المناضلة"، أو: "المحللون السياسيون الاستراتيجيون".. إلخ.
وعلى ذكر الأحزاب السورية، يمكننا أن نضحك حتى نرتوي، ونحن نستعرض النكات التي تداولها الناسُ عنها، ولا سيما بعدما دجنها الجنرال حافظ الأسد، إذ أدخلها في الجبهة الوطنية التقدمية، وأصبحت تشبه دكاناً كُتِبَتْ عليه يافطة، تقول: دكان الجبهة الوطنية التقدمية، لصاحبه حزب البعث العربي الاشتراكي.
ومما هو معروف في الأوساط السورية أن شخصية حافظ الأسد شَكَّلَتْ عقدة نفسية مزمنة للأمناء العامين لأحزاب الجبهة التقدمية؛ ففي المهرجانات الخطابية كانوا يتبارون في مديحه، واختراع الصفات الحميدة وإلصاقها به، والتظاهر بالغَيرية تجاهه. وفي بقية الأوقات، كانوا يحسدونه، ويحاولون تقليده، على الرغم من ضخامة الفرق بينه وبين أي واحد منهم، فهو يسيطر على مقاليد دولة مهمة، هي سورية، ويمتطي حزباً تعدادُه بالملايين، بينما يقود كل منهم حزباً يكفي ميكروباصٌ صغيرٌ لنقل أعضائه من مركز الانطلاق في حي القابون إلى الفندق المخصص لاستضافتهم أيام المهرجان الخطابي.
ومما روي، في هذا المجال، أن أحدَ المواطنين السوريين التقى بنَفَر شيوعي من حزب الرفيق المناضل خالد بكداش، وقال له: أنتم الشيوعيين تعلمتم من حافظ الأسد عادات سيئة كثيرة، كعبادة الفرد، وبقاء الأمين العام على رأس الحزب إلى الأبد، ومن ‏ثم توريثه لزوجته وولده. فضحك الرفيق البكداشي ضحكة طويلة، وقال للمواطن:
- أنت، لا تؤاخذني، مغفل. فبالنسبة لعملية الإشادة بمناقب الرفيق القائد التي تسمونها أنتم الليبراليين "عبادةَ الفرد"، نحن الذين نقلناها من الاتحاد السوفييتي الصديق إلى سورية المناضلة، قبل أن يوجد حافظ الأسد على الخريطة. فهناك، كما تعلم، كانوا يركّزون الأضواء على عظمة الرفاق الذين تعاقبوا على قيادة الحزب (من الرفيق لينين، إلى ستالين، وحتى ليونيد بريجينيف) وإنجازاته، وانتصاراته، لأن ذلك من شأنه تطويق المؤامرة التي كانت تقودها أميركا ضد الشعوب، ضمن ما سمي بالحرب الباردة، ونحن لم نشأ أن نغمط الرفيق خالد بكداش حقه، لا سيما أنه قاد النضال في سورية ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية، في ظروف بالغة الصعوبة والخطورة. وقد بقي الرفيق خالد على رأس الحزب، حتى وافته المنية في سنة 1995، ووقتها قامت جماهيرُ الحزب قومةَ الرجل الواحد، تطالبنا بأن تَخلفه في قيادة الحزب زوجتُه الرفيقة وصال فرحة بكداش، وابنُه الذي نشأ وترعرع في بيت النضال، الرفيق عمار بكداش. فاستجبنا نحن في اللجنة المركزية لنداء الجماهير، وأنت، وأمثالك، بسبب غفلتكم، وغرارتكم السياسية، تقولون إننا اقتبسنا هذه الخصلة من حافظ الأسد الذي توفي في سنة 2000، بعد خمس سنوات. يعني، يا فالح، حزب البعث وبيت الأسد هم الذين تعلموها منا، وليس العكس.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...