السوريون يحتاجون إلى قائد

السوريون يحتاجون إلى قائد

01 فبراير 2015

تمثال لحافظ الأسد يحرقه الثوار في الرقة (11 فبراير/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -
تَمَخَّضَ معارض سوري، وعَصَّ على نفسه، وكَبَسَ مثل دجاجةٍ تريد التخلص من بيضة كبيرة، ثم قال: الحقيقة، وفي الواقع، أن الثورة السورية؛ إذا أردنا أن ننظر إلى الأمر بموضوعية؛ وبتَجَرُّد، وأن نضع الأمور في نصابها، والنقاطَ على حروفها، تحتاج إلى قائد. وحتى الآن، لم نوفق بمثل هذا القائد.
أصاب هذا المعارض، بزعمه، كبدَ الحقيقة في مَقْتَل؛ ولكنه، واللهِ، أصابنا بقشعريرة، فانتفضنا مثل عصفور تغلغل ماءُ المطر بين ريشاته، لأننا؛ والحق يُقال، لم نُشْفَ من داء القائد التاريخي بعدُ، وحتى لو شفينا منه، فرضاً، فلسوف نعيش، إثْرَ ذا، سنينَ طويلةً في طور النقاهة.
كانت مخابرات القائد التاريخي، صدام حسين، مثلاً، تُذيق العراقيين المرَّ، والعلقم، والزقوم، في الخفاء. وكان العراقيون، في سجونه الرهيبة، يتمنون الموت ولا يبلغونه، بينما كان التلفزيون العراقي بقنواته كافة، والإذاعة العراقية بمجمل محطاتها، تستنفر لتغطية تفقداته اليومية شؤون المواطنين، وحُنُوِّه الأبوي (الرؤوم) على نساء العراق، وأطفال العراق! وكانت صوره المزروعة في كل مكان تَطْلَعُ للعراقي أنى تَلَفَّتَ، وحيثُما مشى.. وحتى، في أغاني الفيديو كليب العاطفية، يمكن أن يأخذ المخرج صورةً لأحد شوارع بغداد، وهوبااا.. وإذا بصورة القائد صدام تتصدر الشارع، لتصبح جزءاً أساسياً من الكليب العاطفي!
وكان القائد التاريخي، حافظُ الأسد، أدهى من القائد صدام، وأمرَّ، وأدقَّ رقبة، وكان الإعلام السوري، المقروء والمسموع والمرئي، ينسبُ الأشياء الجميلة التي تحصل في البلاد، كُلَّها، إليه، وما عداها يُنْسَبُ للاستعمار، والصهيونية، والإمبريالية، والرجعية، والطابور الخامس وأذناب الاستعمار.
كانت نشرات الأخبار تبدأ باستعراض توجيهاته التي لا تنضب؛.. فبتوجيهٍ منه، قامت قواتنا الباسلة بتنفيذ مشروع تكتيكي، وحققت الأسلحةُ المُشاركة في المشروع أهدافها بدقة متناهية! وبتوجيهٍ منه، عَقدت اللجنة الاستثمارية في وزارة الصناعة اجتماعاً توصلت فيه إلى ضرورة استيراد الآليات الزراعية اللازمة للإخوة الفلاحين! وبتوجيهٍ من سيادته، أوعزتْ وزارةُ التموين إلى لجان المشتريات بضرورة تأمين حفوضات للأطفال ومحارم تواليت طرية، حرصاً على نظافة مؤخرات المواطنين السوريين.
زار القائد حافظ الأسد، مرة، اتحاد الفلاحين، فأعلن الاتحاد هذا اليوم عيداً وطنياً سنوياً. وأصابت الغيرةُ جماهيرَ الشبيبة، والطلائع، والعمال، والحرفيين، فانطلقوا؛ كلٌّ في ميدانه، يبذلون الغالي والنفيس في سبيل أن يتكّرم الرئيس بزيارتهم، ليجعلوا يومَ الزيارة عرساً وطنياً تُقرع فيه الطبول، وتُتَرْغَلُ المزامير، وتُعْقَدُ الدبكاتُ التي يقوم الرجالُ فيها ويقعدون، ومَنْ كان منهم بديناً ينفتقُ بنطالُه من الخلف أثناء (النَخّ) ويصبح أضحوكة بين الناس.
اعتاد هذا القائدُ، منذ أواسط الثمانينات، على التَمَوُّل بطريقة "عجز الموازنة". فكلما وجد نفسه في حاجة للمال، كان يوعز برفع أسعار سلع أساسية كثيرة، أهمها المحروقات، وما أن يستيقظ المواطنون في الصباح، وتُتْحِفُهم الأخبارُ المسربة بالاطلاع على قائمة الأسعار؛ حتى يصيبهم الوهنُ، والصداع، والهمود، والجمود، وينفلتُ بعضهم، وبالأخص أربابُ الأسر، بالبكاء الذي يصل إلى حدود النحيب، حتى يحين موعد نشرة أخبار الثانية والربع، ليسعفهم أهلُ الإعلام بخبر صدور مرسوم جمهوري يتضمن زيادة للرواتب والأجور بنسبة تعادل 25% تقريباً من تكلفة الأسعار التي ارتفعتْ.
وعلى الرغم من خسارة الموطنين قسماً كبيراً من القدرة الشرائية لرواتبهم، بهذه العملية، فإنهم يكفكفون دموعهم، في الحال، وتنطلق الأفراح والأعراس الجماهيرية من عقالها، وتصبح الرُجْعَى إلى الطبل والزمر والتدبيك والجَخّ والرخّ والنخّ وحمل صور القائد التاريخي واللافتات التي تشيد بعطاءاته أمراً لا مندوحة عنه. ويظهرُ الجميع فرحين بعملية (التشليح) القانونية التي فاجأهم بها سيادته.
... أَفَيُعقل؛ بعد هذه الثورة العظيمة، وكل التضحيات التي تقدمها الشعوب التي ذاقت جحيم القائد التاريخي، أن تطالبوا لنا بقائد تاريخي آخر؟ تباً! 
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...