هل ينجح الحوار الوطني في حل الأزمة الليبية؟

هل ينجح الحوار الوطني في حل الأزمة الليبية؟

08 ديسمبر 2015
+ الخط -
تَمرُّ الأزمة الليبية، اليوم، بمراحل إيجابية، تُوحي بانفراج قريب بين الأطراف السياسية، يشير إليه انعقاد حوار وطني في تونس، ضم أعضاء من "المؤتمر الوطني العام" وأعضاء من البرلمان المنحل، في محاولة لحل الأزمة وطنياً، ومن دون وساطة خارجية. ويعتبر التقاء الطرفين على طاولة الحوار وجهاً لوجه منعطفا نحو الانفراج في حد ذاته، والذي كان مُمتنعاً في جولات الحوار الأممية الذي استمرت شهوراً عديدة، ولم يتم فيها التقاء الطرفين وجها لوجه، ما زاد الشكوك في جدية وسيط الأمم المتحدة السابق، برناردينو ليون، في حل الأزمة، وخصوصاً بعد تسريبات أظهرته في خانة الانحياز لطرف من أطراف الحوار، بل وقد صرح أعضاء من الطرفين عن مسؤوليته في منع اللقاءات المباشرة بين الليبيين، ما جعل الوسط الشعبي الداخلي، قبل الرسمي، ينادي بكف الوساطة الأممية، والاتجاه نحو الحوار الداخلي، الليبي الليبي، ليترجم هذا في تونس يوم 6 ديسمبر/كانون الأول الحالي، وليعلن عن اتفاق مبدئي بين الطرفين، يسعى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، والعودة إلى الدستور السابق، بعد تعديله بما يتماشى مع الوقت الحالي للدولة، غير أن هذا الاتفاق، وإن باركته الأوساط الشعبية غير الرسمية من الطرفين، إلا أنه يبقى موقوفاً إلى أن يتبناه الطرفان رسمياً "المؤتمر الوطني العام والبرلمان المنحل"، على الرغم من وجود تفويض كتابي لكلا الطرفين، تخولهما إجراء هذا الاتفاق المبدئي، إلا أنه لا يكون نهائياً، إلا بعد أن يقره رسمياً "المؤتمر" والبرلمان المنحل، غير أن هذا الاتفاق الوطني لا يعدو كونه محاولة لفض النزاع بين أبناء الوطن الواحد، لا سبيل لترجمته العملية، إلا بتوافقات سياسية داخلية وخارجية على الصعد، المحلية والدولية، والمتمثلة في عدة أوجه:
أولاً: "بنود الاتفاق" وإن كانت مقبولة من الطرفين، وموضع الخلاف فيها فيما بعد قد ينحصر في آليات تنفيذه، وخصوصاً من ناحية اختيار رئيس الحكومة ونائبيه، إلا أنه يبقى نقطة مهمة في نجاح الاتفاق من عدمه، إلى حين إقرار الحكومة التوافقية، أما باقي النقاط فقد لا تنعدم فيها الخلافات، لكنها قد تكون أقل من تكوين الحكومة، غير أنها لا تقل أهمية عنها.
ثانياً: "الوساطة الأممية وموقفها من الاتفاق"، على الرغم من فشل المبعوث الأممي السابق في
جولات الحوار المختلفة، ابتداء من توقيع الاتفاق أحادي الجانب الذي جعل التوافق والركون إليه غير واقعي ولا حتى قريبا من التوقيع عند الطرف الآخر، وليس انتهاء بخرق المسودة الحوارية قبل إقرارها، ما يعني عملياً فشل البعثة الأممية في الحوار، لكن هذا الفشل لم تعترف به البعثة الأممية، وبذلك ترى أن وساطتها قائمة في ذلك، خصوصاً بعد أن صرح المبعوث الجديد، مارتن كوبلر، بأنه سيسير على نهج سلفه السابق، وهذا الأمر يجعل الاتفاق الوطني معرّضاً لعدم التطبيق، وإفشاله بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، إذا لم تدعمه البعثة، ولو جزئياً. ولكن، في المقابل، نرى أن الطرفين المتقابلين في تونس يصرّحان بأن هدف الأمم المتحدة هو التوصل إلى الاتفاق، والاتفاق أنجز، بحسب قولهم، وما على الأمم المتحدة ومبعوثها الجديد إلا تسخير الجهود في إنجاحه، وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة، بدعم البعثة للحوار من عدمه.
ثالثاً: "الأطراف الداخلية: المؤتمر والبرلمان". على الرغم من أن القاعدة الشعبية الأغلبية تؤيد الاتفاق من الطرفين، إلا أن القاعدة الرسمية يوجد بينها اختلاف كبير، على الرغم من التفويض الكتابي لكلا الطرفين، سواء أكان هذا الاختلاف بدافع جهوي أم حزبي أم حتى مصلحي لبعض أعضاء الطرفين، ما يُنذر بعرقلة هذا الحوار في حالة التقاء المصالح في ذلك، حزبياً داخلياً، وأممياً جوارياً خارجياً، وإن اختلت هذه المصالح، فستكون حظوظ تأييد الاتفاق كبيرة.
رابعاً: "الحكومة الحوارية الأممية أو الحكومة الوطنية"، وهو لب الاتفاق بالنسبة للدول الكبرى في أي حل للأزمة الليبية، فهي تنظر للحكومة المنبثقة عن الاتفاق بالدرجة الأولى، فإن كانت تؤيدها وتتماشى مع مصالحها، سوف تدعم الجهود المبذولة في تكوينها. أما إذا كانت ترى أن حكومة "حوار الصخيرات" الأنسب لمصالحها فستعرقل هذا الاتفاق، لتعود إلى دائرة الحوار الأممي ومسوداته الحوارية المختلفة لترسيخ حكومته. ولكن، قد يكون باستطاعة أطراف الحوار الوطني إقناع الدول الكبرى بالحكومة المنبثقة عنهم، بتأييدها شعبياً ورسمياً من الطرفين، ليجعلها أكثر قبولاً من حكومة الصخيرات، وبذلك تكون واقعاً معمولاً به، لكن هذا يحتاج إلى حنكة سياسية، وتحييد المعرقلين لهذا الاتفاق من الطرفين .
خامساً: "دول الجوار". يعطي إبرام الاتفاق الوطني المبدئي في تونس، بدون تدخل منها، مؤشراً على حرص دول الجوار على نجاح الاتفاق الليبي، وإن كان هناك شواذ في ذلك، غير أن هذا الشاذ قد يُحيّد بالأغلبية الجوارية الداعمة للاتفاق، ناهيك إن كان هذا التحييد أممياً، ما يعطي فرصاً للنجاح أكبر. ومن هنا، نرى أن أغلبية دول الجوار داعمة للاتفاق، بغض النظر عن كونه وطنياً داخلياً أو خارجياً أممياً.
أخيراً، يبقى الحوار الوطني أنجح الطرق في حل الأزمة على المديين، القريب والبعيد، وهذا ما أثبتته التجارب في الماضي والحاضر.