فلسطين وعام جديد

فلسطين وعام جديد

31 ديسمبر 2015
+ الخط -
تودع فلسطين عاما ويستقبلها عام جديد. عامٌ كان مثقلا بالهموم والمآسي، فغزة ما زالت محاصرة، والأسرى في سجونهم، والمصالحة الفلسطينية لم تجر، والاستيطان يقضم الأراضي كالوحش الكاسر، وحلم الدولة لم يتحقق.
جديد هذا العام الهبة الجماهيرية التي تحولت إلى انتفاضة، تتهيأ لدخول الشهر الرابع على التوالي، وهي هدية العام السابق للعام الجديد. قدمت خلالها انتفاضة القدس 242 شهيدا، وخمسة عشر ألف مصاب على مذبح الحرية، وهي وإن لم تحقق تحرير الضفة على الأقل حتى الآن كما يأمل بعضهم، إلا أنها حققت أهدافا عديدة، أبرزها أنها حصنت المسجد الأقصى من التقسيم المكاني، وبالتأكيد الحلم الإسرائيلي بهدمه، كما حدت، إلى حد كبير، من اعتداءات المستوطنين على المسجد، ومع أنها لم تمنع دخولهم، إلا أنها أرسلت رسالة شديدة اللهجة إلى الاحتلال الإسرائيلي، أن اللعب بقضية الأقصى لعب بالنار، بل لعب بمصير الكيان الإسرائيلي نفسه. كما كشفت الانتفاضة عن جيل مشبع بحب فلسطين، ومستعد للتضحية حتى الشهادة، فلو تخلف كل العرب عن فلسطين لن يتخلف شبابها وشاباتها. وأظهرت ضعف هذا الكيان الذي يستر عورته بالسلاح والأجهزة الأمنية، فهو لم يستطيع أن يحمي سكانه من أدوات المطبخ.
هذا الجانب المضيء في فلسطين يزاحمه عتمة ليل الأسرى والاستيطان والانقسام، وإنْ كنا لا نريد أن نغوص في ملف الأسرى، إلا أن التسمية التي أطلقتها هيئة شؤون الأسرى والمحررين على عام 2015، بعام "الرعب والتعذيب بحق القاصرين" كافية لتظهير المشهد، فكيان الاحتلال الإسرائيلي، وعلى وقع انتفاضة القدس، صب جام انتقامه وغضبه على الفلسطينيين، وخصوصاً الأطفال والقاصرين، عبر زجهم وضربهم في سجونه، وتعريضهم لشتى صنوف العذاب النفسي والمعنوي، وقد وثقت الهيئة أعداد الأسرى لهذا العام بحوالي 2269 طفلا.
على المستوى الاستيطاني، فالاستيلاء على أراضي الفلسطينيين لم يتوقف، ومن ضمن هذه السياسة الاستيلاء على بيوت المواطنين وهدمها، فقوات الاحتلال، وفق مصادر رسمية، هدمت خلال العام نحو 478 منزلاً في محافظات الضفة الغربية والقدس، تحت ذرائع البناء غير المرخص، وجديد هذه الاعتداءات هدم بيوت أسرى انتفاضة القدس ومناضليها وشهدائها بدافع الانتقام.
ليس ملف الانقسام أفضل حالا، وإن كان انعكاسه ليس واضحا على انتفاضة القدس، بحيث أن السلطة الفلسطينية على الأقل لم تدن العمليات الفلسطينية ضد الإسرائيليين، لكن ما قامت به، في الآونة الأخيرة، لا يبشر بخير، فإعاقة التحركات الجماهيرية في عدة مناطق، وخصوصا في البيرة، واعتقال الناشطين والصحفيين، يطرح تساؤلات حول دور السلطة في المرحلة المقبلة، ونظرتها من انتفاضة القدس، إلا أن التداعيات الأبرز لهذا الانقسام تلقي بظلالها بشكل أشد على الواقع السياسي والاجتماعي، وخصوصاً الاقتصادي على قطاع غزة. فتداعيات الانقسام كثيرة، تبدأ بملف الإعمار ومشكلة الموظفين وفشل عمل حكومة الوحدة الوطنية، وتنتهي بأم الأزمات معبر رفح الذي يصب بتداعياته على الغزيين حصاراً وتشريداً وجوعاً وفقراً، فيما السلطة الفلسطينية التي راهنت على عملية التسوية لتحقيق حلم الدولة، تشهد سقوط مشروع حل الدولتين، فحكومة نتنياهو تؤكد، ليل نهار، بما لا يقبل الشك عبر المصرح والمستور، أن حل الدولتين غير قابل للتحقيق، فماذا تنتظر السلطة لتنعى "أوسلو".
وحتى لا تكون الصورة سوداء قاتمة، من المؤكد أن إسرائيل، وعلى الرغم من كل ما حققته حتى الآن، لم تنل شرعية ووضعية الوجود الطبيعي في هذه المنطقة، وسقط مشروع إسرائيل الكبرى، وهي، في نظر الشعوب، ما زالت وستبقى كيانا غريبا منبوذا، ومآلها بسنن التاريخ إلى زوال، ففلسطين، وإن غزاها واحتلها كثيرون، كان مآلها دوماً التحرير، وهي، على الرغم من كل الآلام، يحدوها الأمل دوماً بأهلها بالتحرير.
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)