امرأتان باسم واحد

امرأتان باسم واحد

29 ديسمبر 2015
+ الخط -
المرأتان هما ريم منصور الأطرش وريم رفعت النمر. أما مناسبة الكلام فهي أن كل واحدة منهما أصدرت، في الآونة الأخيرة، كتاباً يندرج في سياق السِيَر الذاتية الممتعة. ريم النمر ابنة المصرفي الفلسطيني المعروف، رفعت النمر، باحت في كتابها "امرأة من فلسطين" (بيروت: دار الريس، 2015) باعترافات غير مسبوقة، فتحدثت كيف أنها خططت مع أحدهم (علي الغضبان) للهجوم على وزارة الدفاع السورية في قلب دمشق، وأنها سطت على مصارف في مدينتي صيدا وصور، لتمويل عمليات المنظمة الشيوعية العربية، ما ذكّرني ببندقيتي بنيلوبي كروز وسلمى حايك في أحد أفلام الغرب الأميركي. وتقول ريم النمر، من بين ما تقول، أن أبو العباس درّب باسل الأسد على القفز بالمظلات، بناء على طلب حافظ الأسد. وفوق ذلك، تعترف ريم النمر بأنها كتلة من التناقضات: فدائية وتخشى القطط، وتكره الديكتاتوريات على غرار زوجها أبو العباس، ولا تجد ضيراً في تلقي الدعم من صدام حسين ومعمر القذافي. وفي أي حال، هذا الكتاب رحلة شائقة في الغرام والنضال المسلح، من فتح إلى الجبهة الشعبية، فإلى المنظمة الشيوعية العربية، ثم إلى جبهة التحرير الفلسطينية، قبل أن تستقر راحلتها بين بيروت وكندا، وهي قصة من قصص بنات الأثرياء الفلسطينيين اللواتي انخرطن في النضال المسلح، بوعي تام والتزام لا غبار عليه.
غير أن كتاب ريم منصور الأطرش "إلى آخر الزمان: منصور وهند، حب في مشوار حياة" (دمشق: دار تساؤلات، 2014) فهو طراز آخر تماماً، أي أنه ليس سيرة الكاتبة، بل سيرة والدها، منصور سلطان الأطرش، ووالدتها هند الشويري. ولعل من المصادفات الجميلة أنني نشرتُ حواراً مسهباً مع نبيل الشويري، واخترت له عنواناً كابوسياً هو: "سورية وحطام المراكب المبعثرة" (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2008)، الأمر الذي جعلني أعرف تفصيلات قصة الحب التي استعرت بين هند الشويري، المسيحية الدمشقية، ومنصور الأطرش، المسلم الدرزي، وابن قائد الثورة السورية الكبرى سلطان الأطرش. وفي ما بعد، تعرفت إلى الصديق فوز حوا، ابن شقيقة هند، وهو من حيفا، ما جعلني أقترب، ولو لماماً، من أجواء هذه العائلة الدمشقية التي صاهرت ابن السويداء وابن حيفا، وضمت الجميع إلى فيء غصونها.
مهما يكن الأمر، فإن كتاب ريم الأطرش آسر حقاً، ومشبع بالحنين والحلم؛ الحنين إلى عصر جدها العظيم سلطان الأطرش، والحلم الذي تلألأ تحت جفنيها كتجربة مميزة خاض في مفازاتها والداها منصور وهند معاً. إنه حلم التحرر القومي والمواطنة والمساواة والديمقراطية والدولة العادلة والفكر التنويري معاً، وهو الحلم نفسه الذي بشّر به نفر من الناس، كانوا خيرة ما أنجبته الأمة العربية في عصورها الأخيرة، فعندما شاع خبر زواج منصور الأطرش وهند الشويري في الأوساط الدمشقية، راح بعضهم يتساءل بخفرٍ: درزي ومسيحية؟ لكن رفاقهما نظروا إلى الأمر ببساطة متناهية، وراحوا يرددون: إنها مسألة طبيعية، عربي تزوج عربية... ألا يكفي ذلك؟ وعندما سُئلت ريم هل لها ميل إلى النصف المسيحي أم إلى النصف الإسلامي، قالت بذكاء: إنها منشطرة عمودياً، وقلبها يتنقل من اليمين إلى الشمال بسهولة.
تجربة ريم النمر اشترك فيها كثيرون بهذا المقدار من الكفاحية أو ذاك. أما تجربة والدي ريم الأطرش فهي تجربة خاصة ومميزة وحارة، بل التجربة الأصفى في علمانيتها ونقائها ورمزيتها والأفق الذي فتحته أمام جيل سوري، حاول أن يناطح كل شيء، ويتصدى لأي شيء. لكن الضواري الطائفية والضباع التكفيرية المقروحة فتكت بهذا الجيل أيما فتك، وحوّلت سورية خراباً، بعدما كانت تزهو على العالم العربي كله في هذا الميدان.

دلالات