كن طائفياً ولكن بهدوء

كن طائفياً ولكن بهدوء

27 ديسمبر 2015
+ الخط -

يجب على الكاتب أن يتحلى بالهدوء، والصبر، أو، كما يقول السوريون، بطولة البال. لا يجوز أن تكتب وأنت منفعل، مع العلم أن الانفعال هو المحرّض رقم واحد على الكتابة. يعني لا بأس من الانفعال، لكن الأفضل لك أن تخفيه.

إذا كنت، مثلاً، في سهرةٍ مع لفيف من المثقفين الثوريين السوريين، وسمعت أحدهم يقول، بالفم الملآن: بودنا نذبحهم، لن نترك منهم على الأرض نُصَيْرِيَّاً دَيَّارا.. فإن أبسط أصول الحوار والاستيعاب أن تتلقف عبارته وأنت مسترخٍ. لا يجوز أن تغضب وتتوتر، وتقول له: عيب عليك يا رجل، هؤلاء أبناء بلدنا.. فوقتها سينهمر عليك مثل السيل العرم، معدداً لك المخازي والحقارات والجرائم والمذابح التي ارتكبها حافظ ورفعت وبشار وماهر الأسد وأبناء جميل الأسد والحثالات التي كانت، وما زالت، تلتف حولهم من الطائفة العلوية الكريمة، خلال خمس وأربعين سنة، بحقنا، والـ (ــنا) هنا تعود علينا، نحن أهل السُّنّة!

تقول، بأعصاب منضبطة: نعم، هذا كله صحيح، ونحن لسنا بحاجةٍ لتقديم كشوفٍ تفصيلية بجرائم نظام الأسد، فذكرُ البعض يُغني عن ذكر الكل، لكن الوطن لا يُبنى، ولا يُطَوَّرُ من خلال تَمَتْرُس أبنائه خلف أديانهم وقومياتهم ومذاهبهم، و...، فيقاطعك مُحَاوِرُك موضحاً أن حافظ الأسد هو الذي أتى برجال أشداء من طائفته، وعهد إليهم بالسيطرة على المفاصل الرئيسية في الدولة السورية، وأنه شن حرباً استباقية بالغة الشراسة ضد أهل السنة، بدليل الإعدامات التي استمرت من 1980 لغاية 1991، والقتل تحت التعذيب في سجن تدمر ومعتقلات أمن الدولة التي استمرت في عهد وريثه القاصر، وهذا الأخير زاد من سعير الطائفية، حينما أتى بحشد كبير ينتمون إلى الطائفة الشيعية، من جماعة الولي الفقيه، وحزب الله، وعصائب أهل الحق، فضلاً عن استمراره في نهج والده المتعلق بتسليم مقدرات البلاد لمجموعة من العلويين الشرسين الذين ساهموا في تحويل الدولة السورية إلى مجموعة مليشياتٍ لصوصيةٍ، تتقاسم أموال السوريين وأراضيهم وبيوتهم فيما بينها بالعدل والقسطاس.            

تجد نفسك، أمام هذا السيل الجارف من المعلومات التي تلامس العقل والمنطق في موقف ضعيف، فصحيحٌ أن أشخاصاً تعرضوا لاضطهاد الأسد من الأديان والمذاهب الأخرى، لكن نسبتهم أقل من نسبة أهل السنة، وتكاد أن تصرخ بأنك موافق.. ولكن صوت العقل الذي في داخلك يناديك أن اصبرْ، فتقول للرجل: أجل، إن هذا كله صحيح، وأن الحري بالثورة أن تقضي على هذا الوضع المختل، ولكن هل سمعت في حياتك أن الثورة تهدم البنى القائمة، وتترك ركامها على الأرض، وتذهب في حال سبيلها؟! يقول لك: كلا، يجب إقامة بناء جديد. تستوضحه قائلاً: قصدك بناء جديد مختلف عن البناء المتهدم، وأفضل منه بالطبع؟ فإذا وافقك الرأي، تقول له: إذن، عليك أن تكون إنساناً سورياً قبل أن تكون سنياً، أو أي شيء آخر، وأن تبدأ بوضع أساس بنائك من لحظة رفضك تقسيم سوريتك، وهل هناك مدعاة للتقسيم من أن تتحدث أنت بمنطق المسلمين والمسيحيين، والسنة والشيعة والعلويين والدروز والعرب والكرد والسُّرْيان والتركمان؟ علينا، نحن السوريين، بالمناسبة؛ أن نشكر دول العالم الكبرى، والدول الإقليمية، بالرغم من أنها ورّطتنا، وخذلتنا، وتلاعبت بمشاعرنا من خلال خطب زعمائها، وتصريحاتهم، وتركتنا نقتتل، بل ساعدتنا على الاقتتال. نشكرها لأنها، حينما اجتمعت في فيينا، وفي الرياض ونيويورك، اتفقت على بند رئيسي هو (وحدة سورية). ويجب علينا أن نعمل نحن من أجل وحدة سورية، إذ لا يكفي أن يقرر الآخرون ذلك. الطائفية تنتج، إن كنت لا تدري، شيئاً واحداً هو التقسيم، وأؤكد لك أنه لا يوجد بين الدويلات التي ستنتج عن التقسيم دويلة واحدة تضمن لك العيش فيها بسلام.

    

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...