يناير... حينما كنّا أصفياء

يناير... حينما كنّا أصفياء

20 نوفمبر 2015
+ الخط -
الثورة فعل تلقائي، وكذلك كانت ثورة يناير. الثورة المضادة فعل مدبّر وخبيث، وله مركزية مضلّلة بكل أدواتها وأساليبها وحشودها، وهكذا كانت "30 يونيو". ولذا، كان كل واحد فيهم يعرف ماذا يفعل مع سبق الإصرار والترصّد، وهذا هو الفرق بين الاثنين، وبين إنسان الاثنين، وبين رموز الاثنين، حتى وإن انتكست الرموز وتناقضت في ما بعد، بفعل فاعل.
لا تحتاج الثورة دليلاً، لأن دليلها منها، ومن هبتها ومن ريحها غير الخبيث، ريح تشم من العيون والعفوية، حتى وإن لم يحمها الله في ما بعد. فقط، أحيلك إلى شباب القرى، من كفور الدلتا وفقراء عين شمس والمرج والصعيد، وهم في بقايا دماء ليلهم وبطاطينهم البسيطة، وقد ناموا بألمهم من دون أن يتركوا الميدان في عزّ الشتاء والمطر والقروح، بعدما زادت الوقفات عناداً في ميدان التحرير، وبدأ الصنم يهتز من قاعدته، والكل ينتظر في الميدان، هذا هو ميعاد بركة الله التي ينتظرها الجميع، حتى وإن مسرحوا لحظاتٍ مشابهة تشم من خلالها روائح الخيانة.
إن لم يتعقل العقلاء معنى المشهدين، في يناير ويونيو، فعلى العقل السلام، وإنْ ساوى العقلاء بين الشيخ عماد عفت وتوفيق عكاشة، فكأننا نساوي بين القديس المحامي نبيل الهلالي وتهريج فريد الديب، أو نساوي ما بين محمد البلتاجي ونخنوخ. وإن فعلت ذلك، فحتما ستساوي ما بين (بنات مبارك) بالمكياج الكثيف والنظارات المضللة أمام مستشفى المعادي وبين أسماء البلتاجي وروحها تصعد في (رابعة). وحتماً ستساوي بين علاء، طالب الطب الذي اغتالوه ليلة اغتيال الشيخ عماد عفت، حينما تبوّل الضباط من الأدوار العليا وطبيب الأسنان، علاء الأسواني، الذي طالب حازم الببلاوي بسرعة الفض، أو قد تساوي بين مساكين القرى والمدن البسيطة، كعين شمس، وشادي الغزالي حرب الذي حمى ميدان التحرير وأغلقه لمصلحة 30 – 6 المقبلة سبعة شهور، بحماية المخابرات والبلطجية، بسجنهم في الخيام مع الترامادول، إلى حين استواء لحم الثورة المضادة على نار الضباط، كي يأتي عبد الفتاح السيسي بعد 30 -6، ويشيل الخيام وينظف المكان ويضع علمه الرفراف على سارية طويلة، ويعود شادي الغزالي حرب إلى بيته مشكوراً، ولا يعود ثانية إلى الميدان.
إذا ساويت بين "يناير" و"يونيو"، فحتما ستساوي بين الدكتور مصطفى حجازي، وهو حول محمد البرادعي، ودكتور مصطفى حجازي نفسه، وهو مستشار سياسي مع عدلي منصور. وإذا فعلت ذلك، فستساوي حتماً بين المحامي خالد أبو بكر طليق المذيعة جيهان منصور وعصام سلطان الذي تلاعب بكل جماعة أحمد شفيق.
"يناير" هي أحمد فؤاد نجم وهو يغني مع عزة بلبع في الميدان، من دون حسابات صغيرة، و"يونيو" هي أحمد فؤاد نجم نفسه، وقد تحزّم باللاسة البيضاء في ستديو قنوات رجال الأعمال ويرقص على (تسلم الأيادي)، وعزة بلبع وقد كفّت تماماً عن الغناء، أو حتى المرور في ميدان التحرير، بعدما صار مكاناً لائقا بعد 30 -6 للاغتصاب العلني، ورمي كوبونات الثلاجات والبوتاجازات والتلفزيونيات، من أموال القوات المسلحة.
الفرق بين "يناير" و"يونيو" هو أن يكون وزير ثقافتك بعد "يناير" الدكتور عماد أبو عازي ابن انتفاضة يناير، وأن يكون وزير ثقافتك بعد "يونيو" حلمي النمنم الذي عمل مع جابر عصفور عقدين منشّطاً ثقافياً في المجلس البلدي، وهذا في حد ذاته يثير خجلي. وأخيراً، من لا يفهم الفرق بين "يناير" و"يونيو"، عليه أن يسأل سما المصري، وهي ستجيبه بكل شفافية على كل شجونه الثورية.