هل يصمد ما تبقى من السودان بضع سنوات؟

هل يصمد ما تبقى من السودان بضع سنوات؟

09 اغسطس 2014

سودانيون يشاركون في انتخابات منصب حاكم إقليم كردفان (مايو/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -


مرت نحو سبعة أشهر، منذ الدعوة التي وجهها الرئيس السوداني، عمر البشير، لقوى المعارضة من أجل الحوار الوطني في يناير/كانون الثاني 2014، وكانت الدعوة نتيجة لتدهور الأحوال في السودان، وانغلاق الأفق السياسي أمام حكومة البشير. فنتيجة لانفصال الجنوب وذهاب ثلثي ريع البترول، دخلت البلاد في ضائقة اقتصادية خانقة، وشهدت الأسواق ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، ما جعل السخط الشعبي يتزايد، وينذر بثورة شعبية، أو على أقل تقدير، حدوث اضطرابات متسلسلة.

أدرك النظام الحاكم المخاطر المحيطة به، إدراكاً عملياً، عقب انتفاضة سبتمبر/أيلول 2013، التي أوشك عقد الأمن فيها أن ينفرط في العاصمة الخرطوم، وفي بعض مدن الوسط. يضاف إلى ذلك أن الحرب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ظلت مستمرة، كما ظل إقليم دارفور مسرحاً للنزاعات المسلحة والنزاعات القبلية الدموية. إلى جانب ذلك، أدت حالة الاحتباس السياسية، وخلو الأفق من أي بشائر للحلول، إلى تفكك البنية التنظيمية للإسلاميين أنفسهم، ما قاد إلى تشرذمهم وتنازعهم أمرهم بينهم، ومن ثم، تراجع قدرتهم على الاستمرار في الانفراد بالحكم، بل وفي القدرة على الاحتفاظ بالبلاد نفسها، كتلة واحدة.

لكن، على الرغم من مرور حوالى السبعة أشهر من إطلاق الرئيس البشير دعوته إلى الحوار الوطني، بقيت مسيرة هذا الحوار المزمع متعثرة. ولا غرابة، فالحزب الحاكم في السودان الذي يتزعمه البشير لم يعتد أن يشرك أحداً من معارضيه إشراكاً حقيقياً في السلطة. ظل نظام الإنقاذ، عبر مراحل مسيرته في الحكم، يدعو معارضيه إلى الوفاق الوطني، غير أن مفهومه للوفاق الوطني لم يتعد الحيل التقليدية بالغة البساطة، المتمثلة في مجرد إغراء من يستجيبون لدعوته بالمناصب الهامشية وبالمال. فمفهوم نظام الإنقاذ للوفاق الوطني وللحوار الوطني، كما عكسته تجاربه العملية، انحصر في إشراك المعارضين في الوظائف التشريعية والتنفيذية العليا في المركز وفي الأقاليم، من دون أن يغير ذلك شيئاً في طبيعة النظام القائم وممارساته.

تقول التجارب المشهودة إن كل من ركب سفينة الإنقاذ من قوى المعارضة، المسلحة والمدنية، لم يلبث أن وجد نفسه مجرد "ديكور"، يجمِّل به النظام ساحته إعلامياً، من دون أن يكون لمشاركته في الحكم تأثير فاعل في رسم السياسات، أو اتخاذ القرارات. وكلما أذاب الشريك نفسه تماماً في المنظومة القائمة، يتم تصعيده إلى المواقع التنفيذية المؤثرة. ومثال ذلك، بعض قيادات مجموعة الشريف زين العابدين الهندي التي بقيت الشريك الأكبر لنظام الإنقاذ، منذ توقيعها اتفاقية المصالحة الوطنية معه في عام 1997. كان الهندي يأمل أن يقود ذلك الاتفاق إلى تحول ديمقراطي تدريجي. ولكن، عقب وفاته في 2006، انمحت المسافة بين كبار قيادات حزبه ونظام الإنقاذ. أما الفئة القليلة الأخرى التي حاولت أن تحتفظ لحزب الشريف الهندي بوجود مستقل، أو شبه مستقل، في إطار التحالف مع النظام القائم، فقد أطيحت عمداً في انتخابات 2010 وخرجت، من ثم، من أن تكون عنصراً فاعلاً في الساحة السياسية.

مارس نظام الرئيس البشير هذا النهج مع مجموعة مِنِّي أركو مناوي المسلحة في دارفور. عاد منِّي مناوي إلى الخرطوم، بعدما وقع مع النظام الحاكم اتفاق أبوجا، ولكن، بعد مجيئه وتعيينه مساعداً لرئيس الجمهورية، وجد نفسه مجرد "ديكور"، فعاد إلى قواته في دارفور، واستأنف الحرب من جديد. أما الحركة الشعبية الجنوبية التي كانت الشريك الأساس للمؤتمر الوطني، بعد اتفاق السلام الموقع في نيفاشا 2005، فقد مارس معها نظام الانقاذ النهج نفسه، وانتهى الأمر بأن صوت الجنوبيون، عند نهاية الفترة الانتقالية، للانفصال بنسبة قاربت 100%.

لا يبدو أن تحولاً جذرياً قد حدث في مفهوم حكومة الرئيس البشير للحوار الوطني، فالحوار لا يزال يعني لديها أن يذيب الآخرون أنفسهم فيها. ويؤكد بقاءها على النهج ذاته، تصريحها أن الانتخابات قائمة في موعدها في أبريل/نيسان 2015. فلو كانت الحكومة جادة في الحوار وفي إحداث حالة من الانفراج السياسي، لأجّلت الانتخابات لتمنح المعارضين فرصة عادلة في المنافسة. فهي تعلم، قبل غيرها، أن أحزاب المعارضة ظلت محظورة عن النشاط فترة طويلة، ومنفصلة عن قواعدها. وحتى بعدما أتيحت لها بعض المساحة للتحرك، أتيحت في ظل سلطات غير محدودة للأجهزة الأمنية، وفي ظل قيود شديدة، جعلت من نشاط الأحزاب نكتة كبيرة. يضاف إلى ذلك أن الحكومة أفقرت كل السودانيين، بما في ذلك الأحزاب. ولم يعد المال يجري إلا في أيدي الموالين لها، بسبب سياسة "التمكين" التي انتهجتها.

في مؤتمر صحفي جرى أخيراً، ذكر حسن عثمان رزق، المتحدث باسم التحالف المنخرط في الحوار مع الحكومة، الذي يضم 18 حزباً سياسياً، أن الانتخابات يجب أن تقوم وفق مخرجات الحوار الوطني، وأن أي إصرار من الحكومة على إجرائها في موعدها تعطيل للحوار، وتعويق له. وهدد بانسحاب التحالف من الحوار. مضيفاً أن التحالف غير معنِي بما بدأته الحكومة من استعدادات لإجراء الانتخابات، مشترطاً تكوين حكومة انتقالية مدة عامين، لتنفيذ مخرجات الحوار وقيادة البلاد نحو الديموقراطية وتحقيق العدالة، غير أن حزب حسن الترابي، العضو في هذا التحالف، غاب عن المؤتمر الصحفي. وُنقل عن الترابي قوله إن إبداء وجهة النظر بشأن مسارات الحوار وبشأن تصرف الحكومة إزاءه محله طاولة الحوار، وليس المؤتمرات الصحفية.

وربما جعل موقف حزب الترابي الذي تحرك من أقصى أطراف المعارضة إلى قبول الحوار مع المؤتمر الوطني الحاكم من دون شروط الحوار لا يخرج بغير إعادة توحيد، أو على الأقل، تحالف الإسلاميين في المؤتمر الوطني الحاكم والمؤتمر الشعبي الذي يقوده الترابي. ولو جرت الانتخابات في موعدها، بعد وحدة هذين الفصيلين، أو تحالفهما، فإنهما سوف يكتسحانها اكتساحاً كاملاً. والنتيجة التي تتمخض عن هذا الوضع لن تكون سوى منح الإسلاميين ربع قرن آخر في حكم السودان، بعد أن فشلوا فشلاً ذريعاً في ربع قرنهم الأول، غير أن السؤال يظل: هل سيبقى السودان نفسه، والحالة هذه، بضع سنوات أخرى، دع عنك ربع قرن؟