"طائف عربي" بديلاً عن ثنائية الاستبداد والتخلف

"طائف عربي" بديلاً عن ثنائية الاستبداد والتخلف

18 اغسطس 2014

دمار في حلب خلفته براميل النظام السوري المتفجرة (أغسطس/2014/Getty)

+ الخط -

النار تلتهم العراق وسورية ولبنان (وغزة)، وإن بدرجاتٍ متفاوتةٍ في فظاعتها، وليس في دمارها. نار أصولية، إرهابية، وإنما، أيضاً، وبالأخص فتنوية، مذهبية وعرقية، همجية وقروسطية، تدمر السياسة والاقتصاد، وتقتلع المجتمعات والفرد-الإنسان والحياة البشرية، أين منها عصور الجاهلية، وغزوات تيمورلنك! نار تفتك بهذا الشرق العربي والإسلامي وتحوله إلى ركام، إلى جيف نتنة، إلى لا حياة، إلى عدم. وما أكثر عشاق الموت و"المجاهدين" في سبيل أن ينتصر الموت.

وحدهم الديكتاتوريون والمستبدون والجلادون، وعشاق السلطة ومغتصبوها، يعيشون في الماضي قابعين على كراسيهم، يتلذذون بمن أحالوهم جثثاً على طول هذه الرقعة الجغرافية وعرضها، في هذا اللامكان من العالم المتحضر. بشار الأسد ونوري المالكي وحسن نصر الله، وداعش و"النصرة" والقاعدة وحزب الله، أوجه متعددة لعملة واحدة.

فهل من سبيلٍ إلى إعادة الحياة الطبيعية، قبل التفكير في النظم والقوانين والآليات؟ هل من سبيلٍ إلى العيش والتعايش بأمان وسلام، بعيداً عن الأيديولوجيات والمعتقدات والموروثات على أنواعها، بعيداً عن المصالح والحسابات الضيقة؟ هل من سبيل للإفلات من كماشة "ثنائية الاستبداد والتخلف" التي تمسك بخناق شعوب هذه المنطقة منذ عقود؟ وهل من سبيلٍ إلى الخروج من مفهوم وعقلية "الأمة" والعقل الجمعي، والتعامل مع البشر بصفتهم أفراد، يحترم أحدهم الآخر، ويتقبله، ويتعامل معه كما هو، من دون أن يحاول فرض إرادته ونزواته عليه؟
نحاول، هنا، في هذه العجالة، أن نطرح فكرة "بسيطة"، علها تساهم في إطفاء هذا الحريق، وتشكل أساساً، وتضع إطارا للعيش أفراداً ومواطنين، في مجتمعات تحترم التعدد الثقافي والتنوع الطائفي والمذهبي، وتصون حقوق الجميع، وفي مقدمها حرية التعبير والمعتقد.

فكرة تبناها لبنان، المتعدد ثقافياً وطائفياً ومذهبياً (18 مذهب)، والذي يتمتع، في الأساس، بنظام ديموقراطي برلماني، غير مثالي بطبيعة الحال، وتشوبه عيوب كثيرة، إلا أنه يحافظ على مناخٍ من الحرية، وعلى التعايش بين مكوناته، بعد أن عرف وخبر ضروب الحروب والاقتتال.


ففي نهاية عام 1989، تمكن لبنان من طي صفحة الحرب، بالتوصل إلى ما يعرف بـ"اتفاق الطائف" (مدينة سعودية)، والذي أفضى إلى تخطي مسألة "التنافس الديموغرافي" (العدد) بين المسيحيين والمسلمين.

وأرسى قواعد المساواة، عبر المناصفة في التمثيل في البرلمان المنتخب مباشرة من المواطنين، وكذلك في مؤسسات الدولة وإداراتها، وثبّت (من خارج النص) طائفية المواقع الرئيسية الثلاث في البلاد، بين رئيس الجمهورية المسيحي، ورئيس البرلمان الشيعي، ورئيس الحكومة السني. كما أقر إنشاء مجلس شيوخٍ، يتم انتخابه من ممثلي الطوائف مباشرة.

عندها، يصبح التمثيل البرلماني على أساس غير طائفي. وهذا يعني أن "اتفاق الطائف" يعتبر أن الطوائف مصدر غنى وتنوع، ويجب المحافظة عليها، وصون حقوقها كطوائف، وليس كأحزاب، أو كتل سياسية بطبيعة الحال، فيما يبقى الأفراد أحراراً، في آرائهم وخياراتهم.

إلا أن هذه الصيغة الفريدة والحضارية، والتي لم تطبق بعد، بشكل كامل وسليم، في لبنان، هي، بطبيعة الحال، نقيض لكل ما هو سائد حالياً في المنطقة، فيما يعمل "اللاعبون الكبار"، منذ سنوات، على تقويض الدول القائمة، وتدمير أي صيغة تعايش وتفاهم بين مكوناتها.

إذ إن طرفي الصراع، الولايات المتحدة وإيران الملالي، يسعيان إلى السيطرة على هذه الدول الهشة، ويعملان على تفتيتها وتحويلها إلى كيانات طائفية "متجانسة"، وإلى بسط سيطرة القبائل (عرقية أو مذهبية، لا فرق)، المتناحرة فيما بينها، كما هو حاصل في العراق، وكما يبدو أنه سيحصل في سورية.

وهذا "الخليفة الجديد"، أبو بكر البغدادي، تمكن بقدرة قادر من الهروب من المعتقل الأميركي، ليصبح "الأمير المتوج" لتنظيم داعش الذي تمكن، في أشهر قليلة، من السيطرة على نصف العراق، والزحف نحو بغداد.

وهذا المالكي، رجل الحرس الثوري الإيراني الذي تحول إلى ما يشبه صدام حسين جديد، شن حرباً بلا هوادة على السنّة، ودفع بكثيرين منهم الى أحضان داعش. وهذا الأسد، ربيب طهران، يمارس عملية إبادة جماعية، ويستعمل السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري الذي شُرّد بالملايين في دول الجوار.

وما عجز عنه المالكي والأسد يقوم به الآن داعش الذي يريد أن يفرض نظام "الخلافة"، ويعيد شعوب المنطقة إلى مجاهل القرون الوسطى، إلى الجهل والتخلف، والقضاء على حضارة العرب الغابرة، وعلى أي فكرة للحياة والعيش الكريم.       

اليوم، أصبح نوري المالكي وحيداً، تخلى عنه أسياده في طهران، بعد أن أصبح يشكل عبئأ عليهم، وكذلك الولايات المتحدة. فهل سيأتي دور الأسد، ومتى؟ أم أن داعش يشكل بديلاً للاثنين في حسابات الكبار، طالما أن مهمة تفكيك الدول، والقضاء على "الربيع العربي"، أي على طموحات الشعوب وإرادتها في الحرية والعيش الكريم، لم تنته بعد؟

لا بديل عن "طائف عربي"، من أجل أن يستعيد الإنسان في هذا الشرق حريته، وحقه في تقرير مصيره.

5231ACF6-F862-4372-9158-B1655EE52A60
سعد كيوان

صحافي وكاتب لبناني، عمل في عدة صحف لبنانية وعربية وأجنبية.