أبواب السيسي

أبواب السيسي

24 مايو 2014

غرق ليبيا في احتراب أهلي يحقّق الأهداف (أ.ب)

+ الخط -
يوماً بعد آخر، تظهر المعطيات أن ما حصل في الثالث من يوليو/تموز لم يكن انقلاباً عسكرياً مصرياً. وحركة الجيش العسكرية ضد رئيس منتخب لم تكن أمراً داخلياً معزولاً عن محيط ملتهب. الثالث من يوليو كانت حلقة أولى من تحرّك مضاد للثورات العربية، وما أفرزته من مناخات جديدة تقلق الحراس القدماء. حراساً، ليس المقصود بهم أولئك القابضين على مفاصل البلاد منذ عشرات السنين، وكانت الثورات الشعبية ضد نهجهم وتجاوزاتهم، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل حراساً آخرين، موزعين في المنطقة العربية منذ زمن قديم، وكانوا من أهم الراعين لحركة الديكتاتوريات في المنطقة، على اعتبار أنها تمثل سدوداً مانعة لأي مطالب إصلاح، قد تصل إلى حدودهم .

من هنا، كان هؤلاء الحراس المتضرر الأكبر من الحركات الشعبية. ومنذ اليوم الأول، وقفوا في وجه الإرادات الشعبية، محاولين تلمس حلول وسطية تنقذ ماء وجه الحلفاء القدماء. نجحوا في بعض المناطق، وفشلوا في أخرى، لكنهم لم يستسيغوا المتغيرات. النوايا كانت مبيتة، بانتظار الفرص السانحة التي أمّنتها مكوّنات أفرزها الربيع العربي، أو هي استفادت من الحراك الشعبي، لتخرج من بوتقة الاضطهاد إلى سدة الحكم.

مصر كانت البداية، ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، المرشح اليوم ليكون حسني مبارك آخر، ليس حلقة معزولة عن حراك أشمل وأوسع. انقلاب السيسي، وما تلاه، من دعم عدة دول عربية، مرفقاً بحالة شعبية محتضنة، فتح الأبواب لتجارب أخرى، تستنسخ الشكل نفسه، أو تؤدي إلى نتائج مماثلة.

لا يُفترض أن أحداً من الممكن أن يناقش في أن انقلاب السيسي هو عودة بالثورة المصرية إلى انقلاب العسكر في العام 1952. عودة أكثر من ستين سنة إلى الوراء، تقصي كل ما تم إنجازه في "25 يناير"، التي لم تكن ثورة على حكم حسني مبارك وحسب، بل انتفاضة على موروث عسكري، قضى على فكرة الدولة المدنية. 

هناك من أراد لمصر، باعتبارها تاريخياً قاطرة عربية أساسية، العودة إلى التقوقع في هذا الموروث، لتكون درساً يُعمَّم على سائر الدول التي عاشت تجربة الثورة. السيسي كان باباً وفتح على المزيد من الأبواب. لعلّ الجزائر كانت مثالاً يُضرَب على مآلات الانقلاب العسكري، وما رافقه من بروباغندا إعلامية، محلية وعربية، وصلت أصداؤها إلى أصقاع أخرى، لم تطلها ملامح التغيير، أو عاشته، وأودى بها إلى آلام مخاض إنتاج الديمقراطية وتداول السلطة.

في مرحلة الربيع العربي، لم يكن أحد ليتخيل أن الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، من الممكن أن يخرج إلى العلن، وعلى كرسي نقّال، ليتولى فترة رئاسية رابعة. مشهد مدمر لكل ما حمله الربيع من آمال وطموحات، تكسّرت عند رغبات "دول كبرى"، إقليمية ودولية، أرادت لهذا التغيير أن يسقط. دول تقصّدت إيصال رسالة واضحة من المشهد: الاستقرار بالوضع الراهن، أو الدخول  في متاهات عدم الاستقرار الديمقراطي.

أبواب السيسي فتحت، بداية، في الجزائر، وها هي اليوم تكمل على ليبيا. السيناريو هو نفسه، والدول الداعمة لم تتغير. استنساخ لتجربة وزير الدفاع المصري بالعناوين ذاتها. ها هو اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، يرفع لواء "مكافحة الإرهاب" شعاراً لحركته العسكرية، المنقلبة أساساً على مسار انتخابيّ. مسار لا يفترض أن يغير الخلاف أو الاتفاق معه شيئاً من فكرة حكم الأغلبية، الذي يفترض أن يكون أساس العملية الديمقراطية التي يخشى داعمو حفتر ترسخها وتمددها.

حركة اللواء الليبي المتقاعد لم تصل إلى ما وصلت إليه عملية نظيره المصري. لا تزال العملية بمثابة شبه انقلاب سيودي بالبلاد إلى متاهات احتراب أهلي ومناطقي، قد يفضي في النهاية إلى تقسيم. لكن، في النهاية النتيجة ستكون مماثلة لتلك الحاصلة في مصر: إلغاء نتائج الثورة.

باستثناء تونس، قد لا تكون باقي الدول العربية التي شهدت حراكاً شعبياً بحاجة إلى عملية عسكرية مماثلة. ها هي سورية غارقة في بحر من الدماء، تحت أنظار مندّدين عرب وأجانب. وها هو حزب "المؤتمر الشعبي" لا يزال حاكماً في اليمن، أيضاً ضمن اتفاق عربي غربي، أزاح الرأس مؤقتاً.

العين قد تكون الآن على تونس التي لا بد لسياسييها من مراقبة عسكرها، فالسيسي فتح أبواب الانقلاب على الثورات. أبواب لن تغلق بسهولة. 

 

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".