تونس اسم آخر للديمقراطية

تونس اسم آخر للديمقراطية

30 ديسمبر 2014
+ الخط -
لم يشهد الطريق بين الثورة والدولة في تونس فاصلاً دموياً، على غرار دول الربيع العربي، التي ما زالت ترزح تحت وطأة الثورات المضادة، بل كان الانتقال سلمياً، عبر قنوات ديمقراطية، تخللتها تحالفات وتجاذبات سياسية، كان لصناديق الاقتراع كلمة الفصل فيها، ولا شك أن الاستحقاق الأبرز، كان انتخاب الباجي قائد السبسي رئيساً للجمهورية!
ويدرك المتابع لتسلسل الأحداث في تونس، منذ إطاحة نظام زين الدين بن علي، حتى انتخاب رئيس الجمهورية، أنه أمام شعب واع يمتلك قيماً مدنية وحضارية تؤهله لأن يكون جديراً بنظام تعددي ودولة ديمقراطية، قائمة على أسس الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، فضلاً عن البراغماتية التي تتمتع بها الأحزاب السياسية التونسية، والتي ضربت مثلاً رائعاً في الإيثار والتعفف عن السلطة، في مقابل استقرار البلاد، واستكمال مسارها الديمقراطي.
وهنا، لابد أن نستشهد بتجربة حركة النهضة، وبموقف زعيمها الشيخ راشد الغنوشي، الذي فضل عدم مشاركة حزبه في سباق الرئاسة، تاركاً لأنصاره حرية الاختيار بين المرشحين، ليس من باب المناورة السياسية كما يظن بعضهم، بل لأنه كان قارئاً جيداً للمعطيات الداخلية والخارجية التي لم تكن مهيأة لاستيعاب مرشح رئاسي عن حزب النهضة في ذلك الوقت،  الأمر الذي أوضحه الغنوشي، في حوار مطول مع صحيفة "الخبر" الجزائرية، حيث قال: "موازين القوى لا تتحدد بالعدد، وإنما بجملة معطيات داخلية وخارجية، ومعنى ذلك أننا لو تقدمنا إلى منصب رئاسة الجمهورية، سينهار المسار الديمقراطي في تونس بانقلاب، أو إرهاب، أو اغتيالات، أو فوضى عارمة، كما حدث مع الإخوان في مصر، ومع الإسلاميين في الجزائر عام 1992".
وفيما يخص نتائج الانتخابات الرئاسية، وما صاحبها من تخوف، يبدو في ظاهره طبيعياً، من عودة النظام القديم وتغول الحزب الواحد، لا بد من التذكير بأن الباجي قائد السبسي كان أول رئيس وزراء في أول حكومة تونسية، بعد الثورة، ولم تعل، في حينها، الأصوات التي تحذر اليوم من عودة النظام السابق الذي ذهب بلا رجعة، وهذا أمر يجعلنا نطيل النظر في البحث وراء النيات المبيتة التي تقف وراء هذه الحناجر، التي ربما، لم يرق لها أن ترى تونس آمنة مستقرة في هذا العرس الديمقراطي!
ها هي تونس تخطو خطوة جديدة نحو استكمال بنائها الديمقراطي، في وقت تشهد فيه المنطقة العربية فصولاً من الصراع والصدام الدموي بين تطلعات الشعوب الديمقراطية، وقوى الثورات المضادة التي نجحت عن جدارة في نزع البعد المدني عن المطالب الشعبية، وتحويلها إلى مؤامرات إقليمية ودولية، تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة العربية!
مريحيل
مريحيل
علي أبو مريحيل
كاتب فلسطيني، عمل مراسلاً صحفياً في الصين لعدد من المؤسسات الإعلامية العربية. لديه العديد من المؤلفات والأبحاث والمقالات والتقارير الصحفية المرئية والمكتوبة.
علي أبو مريحيل