وزير غير دبلوماسي

وزير غير دبلوماسي

21 مايو 2021

وزير الخارجية اللبناني المستقيل شربل وهبة في بيروت (19/5/2021/الأناضول)

+ الخط -

بالتأكيد، لم يكن الحظ حليفاً لوزير الخارجية اللبناني السابق شربل وهبة، منذ تعيينه العام الماضي. كان يمكن التيقن من ذلك من المصائب التي رافقت اختياره للمنصب. لكن ما يمكن الجزم بشأنه أكثر أن الفطنة السياسية ليست من خصال من كان يُفترض به أن يمثّل "الوجه الدبلوماسي" للبنان. وبالتالي، ما لحق به من انتقادات على خلفية مواقفه الاستعلائية، وتخلٍّ عنه من رئيس الجمهورية، وإجباره على ترك منصبه قبل أيام، ذلك كله من صنع يديه وحده، على عكس تسعة أشهر خلت.

في 3 أغسطس/ آب 2020، أي قبل يوم من انفجار مرفأ بيروت، استقال وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتّي. في مشهد من النادر أن يحدث، لم يستغرق رئيس الجمهورية ميشال عون سوى ساعات حتى تعيين مستشاره للشؤون الخارجية منذ ثلاث سنوات خلفاً للوزير المستقيل. بعدها بساعات، حلّ الزلزال الذي دمّر أجزاء واسعة من العاصمة بيروت، ليُستتبع باستقالة حكومة حسان دياب في العاشر من الشهر نفسه. هكذا لم يهنأ وهبة بمنصبه وزيرا أصيلا سوى لأيام معدودة، قبل أن يتحوّل إلى وزير مستقيل في حكومة تصريف أعمال، لا تزال مستمرة جرّاء الخلافات التي تعيق تأليف وزارة جديدة.

وانسحب الشلل الحكومي والسياسي على أداء الوزير الذي مرت ستة شهور قبل أن يسافر لأول مرة إلى القاهرة. يومها مثّل لبنان في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب. وبعدها اكتفى باستقبال من يأتي من المسؤولين العرب والأجانب، على قلتهم، إلى لبنان، في مشهدٍ يعكس واقع الانهيار في هذا البلد. حتى أن اسمه لم يعلق في أذهان مواطنين كثيرين. كان يكتفي بتصريحات هنا وهناك، يردّد مواقف لا أحد يتوقف عندها، فما يقوله لطالما سمعه اللبنانيون منه ومن غيره من المسؤولين. لكن ذلك كله تبدل عندما نطق، في مقابلته التلفزيونية الأخيرة على قناة الحرّة. ما قاله وهبة تحديداً عندما احتد على الضيف الثاني في الحلقة، واستخدم مفردة البدو، بغرض الاستعلاء والإهانة، دالٌ من نواح عدة. يظهر أولاً مدى افتقار "رأس الدبلوماسية" للدبلوماسية، على الرغم من أنها الأساس الذي يُفترض أن يبنى عليه منصبه، فكيف يعقل أن يُستفز وزير خارجية بهذه السرعة، وهو الذي أمضى ما يعادل أربعة عقود في وزارة الخارجية، متنقلاً بين دوائرها داخل لبنان وخارجه مثله في دول عربية وأوروبية وأميركية؟ وكيف يمكن أن تكون ردوده بهذا الاستعلاء، متسبّباً بأزمة دبلوماسية مع الدول الخليجية، لبنان أكثر ما يكون في غنى عنها في ظل أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟

كل ما فاض به وهبة من عنصرية وفوقية واستعلاء لم يشفع له لدى عون الذي لم يتردّد لحظة في التخلي عن "وزير خارجيته" الذي انفعل دفاعاً عنه، على قاعدة أن ما صدر عنه من مواقف "يعبر عن رأيه الشخصي ولا يعكس موقف الدولة وعون"، فضلاً عن "حرص" الأخير على "رفض ما يسيء إلى الدول الشقيقة والصديقة"، بحسب ما شدّدت رئاسة الجمهورية في بيان، بعد مطالبة مجلس التعاون الخليجي باعتذار رسمي من دول المجلس وشعوبها نظير ما بدر من وهبة من إساءات غير مقبولة على الإطلاق.

أجبر وهبة على التنحّي، لا لشيء إلا لأن المصالح السياسية لمن استشاط غضباً من أجله في هذه اللحظة تقتضي ذلك، تماماً مثل جميع القوى التي توجهت إلى دارة السفير السعودي لـ"التضامن". وفي ذلك المشهد، غير الجديد، مسألة أخرى حول حجم الانبطاح لقوى وشخصيات سياسية لبنانية أمام ممثلي دول عربية وغربية عدة.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات