ورطة ممتعة مع أرطغرل

ورطة ممتعة مع أرطغرل

06 اغسطس 2021
+ الخط -

ورّطني ابني، خلال إجازة فصل الصيف الراهن، بمتابعة واحدة من حلقات المسلسل التركي الأشهر "قيامة أرطغرل"، ثم وجدتُني، بكامل إرادتي، أتورّط بمشاهدة حلقات المسلسل الـ150. يسرد المسلسل (كتابة محمد بوزداغ وإنتاجه وإخراج متين جوناي)، مسارات أحداث وقعت في القرن الثالث عشر الميلادي، وتبدأ من إرهاصات ولادة فكرة الدولة العثمانية في خيال الشاب أرطغرل بن سليمان شاه، قائد قبيلة كايي، من أتراك الأوغوز المسلمين، ووالد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية، ويؤدّي الشخصية الممثل التركي إنجين ألتان دوزياتان.

يبدأ الفارس الطموح أرطغرل مشوارَه بمهمة البحث عن موطن دائم لقبيلته الكايي، ثم يتجاوز ذلك بالنظر إلى البعيد نحو تحقيق حلم توحيد المسلمين الذين تفرّق شملهم بسبب الصراعات بين الأيوبيين والسلاجقة من جهة وتوسّع أطماع الصليبيين والمغول من جهة أخرى. لتحقيق هذا الحلم، يتّجه أرطغرل غربًا نحو الأناضول في رحلةٍ شاقةٍ يواجه فيها فرسان الهيكل، والصليبيين، والبيزنطيين، والمغول، فضلاً عن كثير من المتعاونين والخونة المتعاونين مع الأعداء طمعاً بالسلطة أو المال أو الاثنين معاً.

وتفيد المعلومات الوافرة المنشورة عن المسلسل بأن أول حلقاته عُرضت على القناة الأولى التركية تي أر تي 1، في ديسمبر/ كانون الأول 2014، وتتابعت حلقاته ومواسمه حتى الموسم الخامس الذي عُرضت أول حلقاته في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. وقد أثار المسلسل الذي عُرضت حلقاته عبر شاشات في 71 دولة، مدبلجاً إلى 25 لغة، أبرزها العربية والإنكليزية والأوردية، جدلا كثيرا. في تركيا على سبيل المثال، أشار بعضهم إلى استخدام حزب العدالة والتنمية (الحاكم) المسلسل أداة لدفع أجندته والتأثير على جمهوره. واعتبره العلمانيون الأتراك محاولة لأسلمة الفنون والفضاء الثقافي في البلاد. ومع ذلك، اكتسب المسلسل شعبية هائلة بين المسلمين في جنوب آسيا والشرق الأوسط، وكذلك في أميركا الجنوبية وأجزاء من جنوب أفريقيا. ويزعم وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو أن الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، تحدّث عن إمكانية اعتناقه الإسلام بعد مشاهدته مقاطع من المسلسل. ولفت إلى أن مادورو بعد مشاهدة الفيديو نهض متحمّسا وذكر كل أسماء الشخصيات في المسلسل، مؤكدا أنه يحرص على متابعته بشغف كبير. على ذمة وكالة الأناضول التركية.

يقدّم المسلسل الروح التأسيسية للدولة التركية التي تدعم التقاليد الإسلامية والنبوية مع التركيز على قيم العدل والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين، هو بمثابة مثال لما يمكن أن يبدو عليه الحكم الإسلامي العادل. ويحضر إمام العارفين الصوفي محيي الدين بن عربي بكثافة في المسلسل، ليمثل نموذجا للعالِم والمحارب الصوفي الذي يضع أساسا لأرطغرل لفهم العدالة الإسلامية.

ربما تسمح مشاهدة الحلقات الخمسين الأولى من المسلسل بملاحظتين هامتين، أثارتا أعصابي، وجعلتاني أشاهد أكثر من حلقة في اليوم الواحد. تخصّ الأولى الدور الخطير للمخبرين والمتعاونين مع العدو، وخطورة هذا الدور على مشروع توحيد القبائل الإسلامية. ويمكن للمشاهد الانتهاء الى خلاصةٍ أن أولئك الخونة هم أخطر من جيوش العدو مهما بلغت عدداً وعتادا. وبالتالي، لا يمكن تحقيق النصر الكامل من دون الخلاص من زمرة المتعاونين والمتآمرين.

وتتعلق الملاحظة الثانية بدور المرأة في مجتمعها، إذ لم يختزل مسلسل قيامة أرطغرل دور المرأة بالأعمال الوضيعة والمهام المنزلية، بل عرض دورها القوي والمؤثر في صناعة القرار ومسار الأحداث. تلعب والدة أرطغرل، الأم هايماه، وزوجته حليمة خاتون، وأخت زوجته سيلكان، ولاحقا شخصيات أخرى، مثل أصليهان وإيلبيج خاتون، أدوارا رئيسية في المسلسل. وهن يشاركن في الحوارات والقيادة ويقاتلن ويصدرن الأوامر. وفي المقابل، تظهر شخصيات نسائية متآمرة في الحرملك، لا تتوانى عن القتل بسبب الغيرة أو طمعاً بالسلطة والجاه.

كانت الورطة في متابعة حلقات "قيامة أرطغرل" من نوع الورطات الجميلة، ولكنها متعبة نفسياً في الوقت ذاته، ولا سيما إذا حاول المشاهد إسقاط أحداث المسلسل وشخصياته على شخصيات الواقع وأحداث الراهن.

AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.